مع استمرار الهجمات الجوية والبرية، يعيش سكان مدينة غزة حالة من القلق المتزايد، تتجاوز حدود الخوف من القصف لتصل إلى شبح النزوح والمجاعة. "رحلة عذاب" هو الوصف الذي يطلقه السكان على واقعهم اليومي، الذي يجمع بين التهديد المستمر بالتشريد وصعوبة الحصول على الغذاء في ظل تدهور الأوضاع المعيشية.
ويصف محمود الغول (54 عامًا)، أحد سكان حي النصر، هذه المرحلة بأنها الأصعب على الإطلاق منذ بداية الحرب، مؤكدًا أن النزوح المتوقع سيكون أقسى من أي نزوح سابق. فوسط الانفجارات المتواصلة والغارات الجوية التي لا تتوقف، يترقب أهالي غزة ما ستؤول إليه الأوضاع، خاصة مع استمرار تهديدات إسرائيل بتوسيع عملياتها العسكرية في المدينة، وإجبار السكان على إخلائها، وهو ما بدأ بالفعل في بعض أجزائها.
النزوح: شبح لا يتوارى
تواصل الأسر الفلسطينية مغادرة مدينة غزة، بعد ليلة من القصف الإسرائيلي المكثف على أطراف المدينة. وقد أشار سكان إلى أن الغارات الجوية وقصف الدبابات أدى إلى تدمير واسع للطرق والمنازل.
من جانبها، قالت نهى أحمد (39 عامًا) إن التفكير في النزوح مجددًا مرهق نفسيًا وعصبيًا. وأضافت بلهجة عامية: "بصعوبة بنام في الليل، وأنا بفكر كيف بدي أنزح مع زوجي وأبنائي، وما فيه أماكن نروح عليها. هذه المرة مش مثل المرة الأولى". وأوضحت أن المواطنين لا يجدون أماكن آمنة للنزوح إليها في وسط وجنوب القطاع بسبب الاكتظاظ الشديد، خصوصًا بعد نزوح سكان مناطق واسعة من خان يونس ورفح.
وتتضاعف معاناة النازحين بسبب ندرة وسائل المواصلات وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، حيث قد تتجاوز تكلفة رحلة نزوح واحدة 1200 دولار، ما يجعلها عبئًا ماديًا لا يحتمل على الأسر.
المجاعة: "قطرة في بحر"
تتفاقم أزمة الغذاء مع دخول كميات محدودة جدًا من المساعدات، والتي يتم نهب معظمها، فضلًا عن البضائع التجارية التي لا تزال أسعارها الباهظة خارج متناول الأغلبية الساحقة من السكان. ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، فإن المساعدات المسموح بدخولها "قطرة في بحر" بالنسبة للاحتياجات الهائلة، بعد إعلان الأمم المتحدة رسميًا عن وجود مجاعة في غزة.
ويعاني السكان من ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الأساسية. فكيلوغرام الطماطم (البندورة) وصل سعره إلى 80 شيكل (نحو 25 دولارًا)، في حين كان سعره قبل الحرب 10 شيكل لكل 4 كيلوغرامات. ويقول أحمد أبو هاني (26 عامًا) إنه يجد صعوبة في توفير الطعام لعائلته، مؤكدًا أن كثيرين يفضلون العدس والأرز على الخضراوات بسبب الأسعار الجنونية.
ووسط هذا الواقع القاسي، سجلت وزارة الصحة في غزة 3 وفيات جديدة بسبب المجاعة وسوء التغذية خلال 24 ساعة، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات إلى 303، منهم 117 طفلًا.
تواصل الهجمات والمخاطر
ميدانيًا، تتواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتوسعت عمليات النسف في أحياء الزيتون والصبرة، بالتزامن مع هجمات مماثلة في جباليا البلد والنزلة وحي الصفطاوي. وقد أجبرت هذه التفجيرات العنيفة مزيدًا من السكان على النزوح.
وقد وصل عدد القتلى منذ فجر الثلاثاء إلى أكثر من 60 فلسطينيًا، في سلسلة من الغارات الجوية والقصف المدفعي. ووفقًا لوزارة الصحة في غزة، ارتفعت حصيلة الضحايا الإجمالية منذ 7 أكتوبر 2023 إلى 62,819 قتيلًا، و158,629 مصابًا. وقد سقط 17 قتيلًا و122 مصابًا خلال الـ24 ساعة الأخيرة من بين منتظري المساعدات، ما يرفع إجمالي عددهم إلى 2,140 قتيلًا و15,737 مصابًا.