أبى العام 2020 أن يرحل، دون أن يغير وجه العالم ووجهته، لم تقف مفاجآته عند ظهور "كوفيد19" الوباء الأشرس، وما خلّفه من ضحايا ومصابين وخسائر اقتصادية فادحة، فصاحبت نهايته أشد الزلازل السياسية التي هزّت أعتى الديمقراطيات الراسخة في العالم، برفض الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات الرئاسية أمام منافسة الديمقراطي جوبايدن.
وبات ما يصدر عن البيت الأبيض من قرارات لترامب -الذي لم يحن بعد موعد رحيله- أشبه بروايات الاستبداد بالسلطة في جمهورية الموز!
أقال ترامب وزير دفاعه مارك إسبر، ولازال رافضاً لتسليم السلطة، وتحتجز إدارته ملايين الدولارات التي تم تخصيصها للفريق الرئاسي الجديد لتسهيل انتقال السطة في أقل من ثلاثة أشهر، غير أن الأخير يعزف منفرداً، ولا تسانده أي من مؤسسات الدولة، أو حتى خُلفاؤه الذين بادروا بتهنئة الرئيس الديمقراطي المنتخب، بل تطلعوا للتعاون المثمر معه، ولسان حالهم يقول لحليفهم القديم، اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون.
توابع الزلزال السياسي الأمريكي العابرة للقارات، بطبيعة الحال فرضت قرابين شرق أوسطية يتحتم على الأنظمة العربية تقديمها قبل دخول الساكن الجديد للبيت الأبيض ظهر يوم 20 يناير من العام المقبل، ولو تظاهروا، كل في نطاق ولايته باستقرار مصالحه، وقوة وصلابة موقفه، فالحقيقة مغايرة، كل الأجهزة ومؤسسات صنع القرار عاكفة على ترتيب ملفاتها، وخاصة المتعلقة بالحريات ومناخ الديمقراطية، حتى المعارضة والجماعات المصنفة عربياً بالإرهابية أعدت أجندتها، علّها تجد آذاناً صاغية، فذريعة الدخل الأمريكي - مداخل الشيطان - قديمة و قائمة على حماية الحقوق والحريات والأقليات، في سبيل ذلك سوف تُنفق المليارات على الدعاية والدعاية المضادة ظنا بأن الصوت الأعلى سيغلب.
وسنشهد توغلاً للمنظمات الحقوقية وتدفقاً للتمويلات الأجنبية حتماً ستصطدم بواقع عربي أكثر تماسكاً وصلابة، لا سيما أن ولاية ترامب قد سنحت لإعادة ترتيب البيت من الداخل، ولو كلفنا ذلك أموالاً طائلة وتنازلات ـ لابأس ـ و أن تحالفا عربياً بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، قد تشكل في مواجهة الإرهاب، سوف يُصعب مهمة البيت الأبيض في عزل أي منهم، وعلى هذه الشاكلة، تسير الدول التي تعافت من آثار الموجة الأولى لمشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي أعاده للأذهان انتخاب جو بايدن، نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما صاحب امتياز الربيع العربي.
القرابين "الشرق أوسطية" ستمنح قبلة الحياة لقطر -المقاطعة عربياًـ ، وتُعيد إيران المحاصرة اقتصادياً إلى طاولة المفاوضات، تتجدد أطماعها الفارسية في المد الشيعي و دعم للحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان ، وسوريا ، و في العراق أيضا، وستبقى تركيا -المتأسلمةـ راقصة على أحبال الانتماء لحلف النيتو، ولو أبدى بايدن العداء مبكرا لسياسات أردوغان .
لن يستطيع اليمن السعيد –سابقا- ولا سوريا الحرة –سابقا- ولا ليبيا الخضراء، أن يتقدموا بقرابين يناير لتبقى بلادهم مستقرة، وسيبقى مصيرهم رهن تفاهمات وصفقات الحلفاء والفرقاء مع الإدارة الأمريكية الجديدة ومصالحها ومصالح شركائها في المنطقة.
صحيح أن الرئيس الأمريكي القادم لن يغير العالم منفرداً، وليس بوسعه أن يفعل ذلك، لكننا نحن نصبناه ومنحناه كل تلك السلطات جهراً وفي الغرف المغلقة منذ أمد بعيد، ولن يتغير الحال إلا إذا كنا مستعدين أن ندفع الثمن!