اعلان
اعلان

أحمد عبد الجواد يكتب: مع ذيبة "نشرب قهوه في حته بعيدة"

كتاب ذيبة
كتاب ذيبة

في البداية جذبني الاسم لأقوم بالبحث عبر الإنترنت لأتعرف أكثر على المعنى قبل الغوص في رواية الإعلامي والكاتب الصحفي محمد محفوظ، ولا أخفيكم سرًا ظننته يتماشى مع موجة الأسماء غير المألوفة لكي يزيد من مبيعات روايته.

لم أجد في البحث إلا طريقين الأول هو المعنى الحرفي للكلمة، فهو اسم علم مؤنث عربي، وكان العرب يسمون أنثاهم ذيبة، أي ذئبة مخففة ويلفظونه بدال مهملة: ديبة. والثاني يرتبط بمضاف إليه يمثل مكان اسمه 'ذيبة المهل' أو بعض التعريفات المرتبطة 'ذيبة كذا' مثل ذيبة البحر وهو أحد أنواع أسماك القرش.

فقررت أن أدخل إلى عالم الرواية لأنظر بعين القارئ ماذا قدم لنا محفوظ، الغلاف بداية يقودك إلى عالم من الرعب فهناك خيالات وضبابية كثيفة توحي بالإثارة المرتبطة بالرعب، لكنك حين تدخل إلى عالم الرواية ستكتشف أن الغلاف لا يدل على الرعب وإنما يدل على النفس البشرية، كما سمعت عزيزي القارئ النفس البشرية هي ما يتمحور حولها الحكي والسرد الروائي لذيبة محفوظ، فأنت في البداية ستجد نفسك أمام مجموعة من الأبطال المعدودين: 'عمار – حفيظ خان – مادو حبيبة حفيظ – جد حفيظ – شاكور جد مادو – ريم حبيبة عمار الأولى – ميار حبيبة عمار الثانية – الملك اليهودي كوهين'.

استخدم الكاتب أبطال السرد على نوعين، الأول هو أبطال دائمون معنا في الحكي إما بشكل ظاهري واضح مثل عمار وحفيظ، أو بشكل مخفي أثناء السرد مثل حبيبة عمار أو والدته، والنوع الثاني هم 'الكومبارس' وقد تجدهم في منتصف الحكي مثل دليل أو رجل مظلوم وآخر ظالم وهكذا، لكن ما دلالة كل ما فات في السرد؟.

لكي لا يشعر القارئ بالزخم المُقَنَّع، من وجود أشخاص كثيرة قام محفوظ باللعب على فكرة البطلين الثابتين وتدور كل الأحداث من حولهما، واعتمد على الزخم الحقيقي في سرعة التنقل بين الأحداث، فأنت حرفيًا تلهث خلف محفوظ أثناء التنقل في عالم السرد، فهو يستخدم تقنيات الزمن كما وردت في مناهج الكتابة بالضبط.

فهناك التدرج في الزمن بشكل يتناسب مع التوقيت المناسب لكل حدث، وهناك الروابط المتخيلة لربط الأحداث ببعضها لكي يكون الترتيب منطقيًا من خلال الأحداث المبدئية ثم الطارئة ثم الختامية، وإن كان هناك مشكلة في محاولة الكاتب أن يجعل الأحداث كلها منطقية بشكل محبوك جدًا فلا مجال للفرصة أو الصدفة العابرة وكل شيء تم رسمه وتخطيطه في الكتابة بعناية.

الهدف هنا من كل ما فات ومن لعبة الزمن والسرد والأبطال هو الرحلة، فالبطل يقوم برحلة طويلة بين الجزر لكي يستعيد حبيبته، وإن كان ظاهر الأمر رحلة تجمع بين الخيال والواقع وتنتمي في جزء منها غلى الواقعية السحرية، لكن في حقيقة الأمر وعودٌ على بدء فالرحلة في الرواية داخل النفس البشرية، لأنك ستجد في كل جزيرة مظهر من مظاهر النفس الطيبة والنفس الشريرة، ستجد الصادق والكاذب، ستجد الظالم والمظلوم، ستجد دائمًا تضادات النفس البشرية ستجد الصورة وعكسها، وكأنك تقف أمام مرآة عالمية تحاول أن تقول لك أن 'خبايا الواقع وثنايا الخيال' هما مقومات النفس لكنها ليست أي نفس بل النفس التي تعشق وتفعل المستحيل كي تصل إلى المحبوب في كل تجلياته، وليس في تجلي 'ذيبة' فقط بل في كل تجليات النفس بداية من المحبوبة إلى الأم إلى الوطن إلى حب المولى عز وجل، فالنفس في النهاية ستصل إلى محبوبها عن طريق الرحلة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً