كان من الطبيعي الحديث عن الثورة الصناعية الرابعة بمقدمة تقليدية، إذا كنا نسير في حقبة العولمة الاقتصادية العالمية، إلا أنه ومنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية كان الحديث في الأروقة الاقتصادية العالمية عن نهاية العولمة، قد بدأ وبشكل كبير، ولعل طبيعة العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على الاقتصاد الأوروبي وقدرة روسيا على تجاوزها هي ما دفعت الفقه الاقتصادي العالمي للحديث بهذا المنطق ما دفع مسؤولي الاقتصاد الأمريكي، بأنه لا صحة للحديث بنهاية العولمة.
وأخشى أن الصواب قد جانبهم فالعولمة بدأ يأفل نجمها منذ العام 2008 عام الأزمة الرهون العقارية الأمريكية وما تبعها من هزات اقتصادية، كما حدث في أزمة الرهون العقارية في دبي وتبع ذلك انهيار اقتصادي شرق أوسطي نتيجة لما سمي وقتها بربيع عربي والحقيقة التي ظهرت بعد ذلك أنه خريف على بعض الدول العربية وربيع على الدول التي حققت عقودا اقتصادية في تلك الدول على كافي مناحي الاقتصاد.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن منشأ فكرة انهيار العولمة الاقتصادية مرجعه صمود روسيا اقتصاديًا، وهذا الأمر يجب أن تتم دراسته بعناية فائقة وأن تتبحر فيه الأبحاث ويمكن لنا رصد بعض الشواهد التي كنا نتابعها من أكثر من عشرة أعوام فمع وضع الإدارة الأمريكية مخططا للشرق الأوسط وآسيا الوسطى مطلع الألفية الحالية ارتأت الإدارة الأمريكية تأجيل ما يعرف بمشروع آسيا الوسطى الكبرى، نظرًا لوجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولربما يمكن التخلص منه بأية وسيلة ديمقراطية أو غيرها لأنه عائق في التنفيذ ورأت الإدارة الأمريكية تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير وحدث ما حدث في 2011 وحتى الآن فيما يسمى بالشرق الأوسط الكبير إلا أنه ومنذ بداية الألفية ووضع مشروع آسيا الوسطى الكبرى اتخذت الإدارة الروسية خطوات وإجراءات من شأنها أن تكون حائط صد أمام الفوضى الخلاقة وتطبيق هذا المشروع ففي عام 2001 تأسست في شنغهاي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية تحت مسمى مؤسسة شانغهاي للتعاون وضمن الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغستان وطاجيكستان واوزبكستان ووقع ميثاقها في الصين عام 2003 ودخل حيذ التنفيذ في 2003 ويلاحظ ان تلك الدول أعضاء المجموعة هي المجموعة المستهدفة اصلا من مشروع آسيا الوسطى الكبرى.
ولتقوية روسيا شوكتها مدت تحالفها الاقتصادي إلى ما يعرف بمنظمة البريكس والذي عقد اجتماعه الأول في عام 2009 والذي يشمل كلا من الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا بجانب الصين وروسيا ليمثلوا الآن حاول 25 % من الناتج الإجمالي الاقتصادي العالمي هكذا استعدت روسيا بصفة خاصة ليوم العقوبات الاقتصادية التي توضع مراحلها العاشرة وقت كتابة هذه السطور، وهكذا نرى أن التخطيط والتخطيط المضاد لا يأتي مصادفة بل يأتي بالتحليل والبحث والتطوير ولا تهاجم دولة إلا اقتصاديا ولا تدافع إلا اقتصاديا الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل هل وجود تلك التحالفات الاقتصادية الروسية الممتدة وأثر العقوبات الاقتصادية الأوربية على روسيا كان بداية لنهاية العولمة؟.
الإجابة بسيطة وتظهر ذلك في حظر تعامل روسيا بنظام سويفت المالي فقد ظهر نظام SPFS والذي ظهر عام 2014، وقد أعلن البنك المركزي الروسي أن هناك أكثر من 50 شركة أجنبية انضمت لنظام المراسلة المالية الروس وهو النظير لنظام سوفت من 12 دولة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تطرق إلى التبادل بالعملة المماثلة للدول تخليا عن الدولار الأمريكي فترى تركيا وإيران والصين ومصر والإمارات والسعودية تتبادل مع روسيا بعملتها وكذلك الأمر بالنسبة لليوان الصيني الأمر الذي يدفعنا بأن لن يقتصر الأمر على إنهاء العولمة الاقتصادية بشكل جزئي وإنما قيام الاقتصاد العالمي على نظام ثنائي الأقطاب ما بين النظام الدولاري الغربي والنظام المتعددة الشرقي والذي أنصح مصر فيه أن لا تتبنى أيا منهم وأن تقوم بتفعيل نظام اقتصادي غير منحاز في المعاملات الاقتصادية لا تقع مصر بين فكي القمح والسلاح الروسي والعقوبات الاقتصادية الأمريكية. الأمر الذي دفع البعض بأن ما نمر به من أحداث اقتصادية فيما أسميه أنا بالحرب العالمية الاقتصادية سوف يقضي على التكامل الاقتصادي بين الدول كنتيجة للاؤبئة والأزمات الاقتصادية المزرية التي تقع الآن من ركود وركود تضخمي وكساد وتوقف سلسلة الإمدادات والعقوبات الروسية الاقتصادية.
ويبدو أن المعسكر الغربي قد وجد نفسه يترنح وان مصالحه مهددة فبات يخلط بين التكامل الاقتصادي القائم على التعاون وهو يمكن حدوثه أيا كان النظام الاقتصادي في إي دولة سواء دولاري أو متعدد وما بين التكامل القائم على المصلحة الأمريكية والغربية البحتة لذلك تظهر الدعوات بأن النظام المتعدد ما هو هدم للتكامل وما أراه إلا تحذيرا بعقوبات اقتصادية.
وللحديث بقية...