وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَاةُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (الأنعام: 32)، بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وبنفوس راضية بما قسمه رب العالمين، ننعي إلى أهل العلم والقانون، وإلى أهل كفر صقر الكرام، فقيدهم الغالي الأستاذ الفاضل، المحامي بالنقض، عبد الحليم حلمي. لقد رحل عنا جسدًا، ولكنه سيظل حاضرًا في قلوبنا وعقولنا، وفي تاريخ عائلات وأعيان كفر صقر بمحافظة الشرقية، التي يشتهر أهلها بكرمهم وأياديهم البيضاء على الجميع.
إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. {التوبة:18}. ونحسب أن هذه الآية الكريمة تنطبق على فقيدنا الكبير، رحل عنا فارس من فرسان الخير، وعميد من عمداء الكرم، الأستاذ الفاضل عبد الحليم حلمي. رحم الله رجلاً قضى حياته في خدمة الناس، ففرش المساجد بالعطاء، وكفل الأيتام برحمة، وجَهَّز العرائس بفرح، وكان له أيادٍ بيضاء على أسر كثيرة تدعو له وهو يستحق الدعاء. كان يفعل ذلك كما يفعل رجل قلبُه كان على الدوام مملوءًا بالإيمان، ويده مبسوطة بالعطاء، وروحه معطاءة.
رحل عنا فارس من فرسان الصبر، ونموذج للإحسان، فلقد كان - رحمه الله - صاحب أيادٍ بيضاء، يمدها بالخير والعطاء. ابتلاه الله بابتلاء، فصبر واحتسب الأجر، فكان صبره أجمل من صبره على الألم. كان الفقيد رحمه الله مثالاً للصبر الجميل، فلم ييأس من رحمة ربه، ولم يشك في قدره. وكان في الوقت نفسه مثالاً للكرم والعطاء، فلم يبخل على أحد بمعروف حتى في فترة مرضه وتوقفه عن العمل بسبب المرض. قيد المرض قدرته على العمل في المحاماة، المهنة التي أحبها وأحبته، ولكن المرض لم يستطع أن يحبس روحه الطموحة، ولا قلبه الناببض بالحياة. فقد استمر في العطاء، كان عطاؤه كمن لا يخشى النفاذ، وحتى إن لم يكن العطاء مالًا فكان يعطي من وقته، ومن علمه، ومن دعواته، لم يستسلم للحزن أو اليأس. بل صبر واحتسب الأجر، وجاهد في سبيل الله، فكان صبره أجمل من صبره على الألم، حتى رحلت روحه الطاهرة عنا في صمت، اختارت أن تودع الدنيا وحيدة، تحملت أعباء مرضها بعيدًا عن أعين الآخرين، ولم تشارك معاناة صبرها مع أحد. هذا الاختيار المؤلم يثير في نفوسنا تساؤلات عميقة حول معنى المعاناة الإنسانية، وقيمة العزلة في مواجهة الألم، ومدى تحمل الإنسان أعباء الحياة.
لقد شرفت بلقاء الراحل مرة وحيدة قبل نحو عشرين عامًا و أكثر ما لفت نظري فيه كان تواضعه الشديد، وكرمه وحسن خلقه. لم أره يومًا متكبرًا أو متعالٍ على أحد، بل كان دائمًا متواضعًا ومتسامحًا. كان يعامل الجميع بلطف واحترام، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية. كما كان يتمتع بحسٍّ عالٍ من المسؤولية، وكان دائمًا مستعدًا لمساعدة الآخرين.
رحل عنا فارس من فرسان الخير، وصابر من الصابرين على البلاء، لقد قضى حياته في خدمة الناس، فكان كفيل الأيتام، وسند الأرامل، ومنبع العطاء. رحل عنا المحامي الفاضل عبد الحليم حلمي، تاركًا فراغًا كبيرًا في قلوبنا. لقد كان رجلًا فاضلاً، عالمًا فاضلاً، ومحاميًا بارعًا. قضى حياته في خدمة الناس، فكان كفيل الأيتام، وسند الأرامل، ومنبع العطاء. لقد صبر على مرضه بجلد، واحتسب الأجر عند ربه. نسأل الله العظيم أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته. وإنا لله وإنا إليه راجعون.