مُذَكَّرَاتُ جورنالجي بَيَّنَ عَصْرَيْنِ .. المواطن الصحفي وبزوغ الصحافة الاجتماعية والتأسيس للسلطة الخامسة

محمد مختار
محمد مختار

يوما بعد يوم تتأكد فكرة كانت مخيفة في وقت من الأوقات للصحفيين المهنيين وأيضا للسياق الرسمي الذي يحكم العلاقات في المجتمع الصحفي، وهذه الفكرة هى أن المواطن الصحفي أصبح هو الفاعل الأكثر نشاطا ليس فقط في نشر الأخبار، بل وأيضا في جمع الأخبار وإعادة توزيعها، بل ولجوء الصحفيين المهنيين لهذا المواطن الصحفي للحصول منه على طرف الخيط الأول للأخبار الهامة، والمواطن الصحفي هنا لم يعد يكتفي بدور المحرر الصحفي فقط، بل أن دوره تخطي هذا الدور ليقترب من القيام بشكل كامل بدور مراسل أو مندوب وكالة الأنباء.

المواطن الصحفي وبزوغ الصحافة الاجتماعية والتأسيس للسلطة الخامسة

أما المفاجأة الأكبر فهو أن الأمر لم يعد يقتصر فقط على نشر وتوزيع الأخبار، بل أن المواطن الصحفي استطاع أن يؤسس لشكل جديد من أشكال الصحافة التي كانت غير معروفة من قبل وهى الصحافة الاجتماعية، والتي تشير إلى النشر الرقمي مع مزيج من الصحافة المهنية وغير المهنية، مع الأخذ في الاعتبار أن وصف ( غير المهني ) هنا لا يعني التقليل أو التشكيك في المحتوى الذي ينشره المواطن الصحفي، بل هو وصف لما يقدمه من محتوى لا يلتزم بسياسة تحريرية تحد من خياراته في جمع الأخبار ونشرها، وهى نقطة قوة جديدة يمكن أن يفاخر بها المواطن الصحفي، وليست نقطة ضعف، بل أن المواطن الصحفي بسبب ( عدم المهنية ) في وضع أكثر حرية من الصحفي المهني الذي يضطر في كل الحالات للتقيد بخطوط حمراء تفرضها عليه السياسة التحريرية للمؤسسة الصحفية التي تدفع لها راتبه .

المواطن الصحفي وبزوغ الصحافة الاجتماعية والتأسيس للسلطة الخامسة

هذا البزوغ الجديد للصحافة الاجتماعية فتح الطريق لتأسيس سلطة جديدة لم نكن نعرفها في الماضي هى السلطة الخامسة، لقد كان جيلنا والأجيال التي سبقته من الصحفيين مغرما بمصطلح ' السلطة الرابعة' ، في إشارة إلى أن الصحافة تأتي في المرتبة الرابعة بين سلطات أخرى هى السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية، وافتخرت الصحافة بأنها ' السلطة الرابعة ' التي قد تكون هى الأكثر نجومية بين باقي السلطات وإن لم تكن أكثرها نفوذا، ولكن ما حدث مع صعود المواطن الصحفي ونشوء الصحافة الاجتماعية هى أن سلطة جديدة قد نشأت هى ( السلطة الخامسة ) ، وهو اصطلاح بدأ ظهوره في ستينيات القرن الماضي مع الطبعات الأولى من صحيفة ' الطبقة الخامسة ' وكانت في هذا الوقت صحيفة سرية نُشرت لأول مرة في ديترويت بالولايات المتحدة عام 1965.

المواطن الصحفي وبزوغ الصحافة الاجتماعية والتأسيس للسلطة الخامسة

ولكن مع تطور الويب ومع انفجار ثورة الاتصالات والمعلومات لم تعد ' الطبقة الخامسة ' مجرد يساريين أمريكيين متمردين على النظام الاقتصادي الرأسمالي الكاسح في الولايات المتحدة، بل تحولت الطبقة الخامسة من صحيفة ورقية تطبع وتوزع سرا على الناشطين الأمريكيين في ظل حصار المكارثية إلى صفحات علنية على الانترنت، ومع الوقت بدء الباحث في مجال الإعلام ستيفن د. كوبر في الإشارة لأول مرة منذ عام 2006 لاعتبار أن المدونين والذين قاموا في بداية الأمر بدور المواطن الصحفي هم أنفسهم الطبقة الخامسة، ولكن منذ عام 2009، بدأ التفكير في تقدير قوة هذه الطبقة بعد أن ذهب الباحث الأمريكي في العلوم الاجتماعي ويليام داتون للقول أن الطبقة الخامسة ليست مجرد مجتمع مدونات، ولا امتدادًا لوسائل الإعلام، بل هي 'أفراد متصلون بشبكة' تمكنهم الإنترنت، على سبيل المثال وسائل التواصل الاجتماعي، بطرق يمكنها محاسبة الطبقات الأخرى، وهذه القدرة على المحاسبة هى التي منحت هذه الطبقة وصفا جديدا كاشفا وهو ' القوة الخامسة '

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً