لطالما كان الجيش المصري أحد الركائز الأساسية في معادلات القوى الإقليمية، حيث لعب دورًا رئيسيًا في رسم ملامح المنطقة منذ عقود. ومع التطورات العسكرية المتسارعة التي يشهدها، إلى جانب الاستقرار السياسي النسبي الذي تعيشه مصر تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، باتت إسرائيل أكثر قلقًا من تنامي قوة الجيش المصري، مما قد يفرض معادلات جديدة ويعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط.
يرجع القلق الإسرائيلي من الجيش المصري إلى محطات تاريخية حاسمة، حيث شهدت المواجهات العسكرية بين الطرفين تحولات كبيرة، شكلت جزءًا من الذاكرة الاستراتيجية لكلا البلدين.
حرب 1948: شاركت مصر بقوة في الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي الوليد، حيث كان الجيش المصري أحد القوى الرئيسية التي واجهت الكيان الصهيوني في فلسطين.
حرب 1956 (العدوان الثلاثي): تعرضت مصر لعدوان بريطاني-فرنسي-إسرائيلي بعد تأميم قناة السويس، إلا أن صمود الجيش المصري والتدخلات الدبلوماسية الدولية أجبرت المعتدين على الانسحاب.
حرب 1967: تعرضت مصر لنكسة عسكرية كبيرة بعد أن استولت إسرائيل على سيناء، وهو ما دفع القيادة المصرية إلى إعادة هيكلة الجيش والاستعداد لمعركة استعادة الأرض.
حرب 1973: شكلت هذه الحرب نقطة تحول كبيرة في تاريخ الصراع، حيث تمكن الجيش المصري من عبور قناة السويس وتحطيم أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر"، مما أعاد التوازن العسكري للمنطقة.
معاهدة السلام 1979: رغم توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، ظل القلق الإسرائيلي من الجيش المصري قائمًا، خشية حدوث أي تغيير في العقيدة القتالية أو القيادة السياسية في المستقبل.
شهدت السنوات الأخيرة طفرة نوعية في تحديث قدرات الجيش المصري، حيث أصبح يمتلك واحدة من أقوى المنظومات العسكرية في المنطقة، سواء على مستوى التعداد البشري أو التسليح أو التكنولوجيا الدفاعية، يُعد الجيش المصري من أكبر الجيوش في المنطقة من حيث عدد القوات النظامية واحتياطي الجنود، حيث يمتلك قوة بشرية مدربة، مع برامج متطورة لرفع الكفاءة القتالية وتعزيز القدرة على تنفيذ العمليات الكبرى، أصبح الأسطول البحري المصري أحد أقوى الأساطيل في الشرق الأوسط، بفضل امتلاك غواصات ألمانية من طراز "Type 209"، وحاملتي مروحيات "ميسترال"، مما يمنحه قدرة فائقة على فرض السيطرة البحرية في البحرين الأحمر والمتوسط، على الرغم من تفوق إسرائيل الجوي، فإن مصر عملت على تنويع مصادر تسليحها الجوي، حيث حصلت على مقاتلات فرنسية من طراز "رافال"، كما عززت أسطولها بطائرات "إف-16" الأمريكية، مما منحها قوة هجومية ودفاعية كبيرة، تمتلك مصر منظومة دفاع جوي قوية تشمل أنظمة صواريخ روسية متطورة مثل "إس-300"، بالإضافة إلى تعزيز صناعاتها العسكرية المحلية، مما يزيد من استقلالية القرار العسكري المصري ويقلل الاعتماد على القوى الخارجية.
المخاوف السياسية والاستقرار المصرى مستقبل غير محسوب العواقب، رغم وجود اتفاقية سلام بين البلدين، فإن إسرائيل تراقب عن كثب المشهد السياسي المصري. وتدرك الدوائر السياسية الإسرائيلية أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ينتهج سياسة متوازنة، لكنه لا يزال يحافظ على موقف وطني قوي في القضايا الإقليمية. إلا أن القلق الحقيقي لدى إسرائيل يكمن في مرحلة ما بعد السيسي، حيث يُخشى أن تتبنى القيادة القادمة نهجًا أكثر صرامة تجاه إسرائيل، خاصة في ظل تصاعد المشاعر الشعبية الرافضة للتطبيع معها، القضية الفلسطينية: كان لمصر موقف حاسم في رفض خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن تهجير سكان قطاع غزة، وهو ما أكدت عليه الخارجية المصرية في أكثر من بيان رسمي بينما العلاقات مع الأردن والسعودية: تحافظ مصر على علاقات قوية مع الأردن والسعودية، وتلعب دورًا محوريًا في دعم استقرار الدولتين، وهو ما يُشكل ركيزة أساسية في التوازنات الإقليمية، مع تصاعد الدور المصري في المنطقة، اضطرت واشنطن إلى إعادة تقييم مواقفها، حيث لوحظ أن إدارة دونالد ترامب تراجعت عن بعض مواقفها السابقة، لا سيما فيما يتعلق بالمشاريع التي تخدم المصالح الإسرائيلية بشكل كامل. ويعود ذلك إلى التحركات الدبلوماسية المصرية، التي أكدت استعدادها للدفاع عن مصالحها حتى لو استدعى الأمر مراجعة اتفاقية السلام مع إسرائيل.
ميناء طابا البحري بُعد استراتيجي جديد، في خطوة تعكس رؤية استراتيجية عميقة، قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي تخصيص أرض لإنشاء ميناء طابا الدولي المطل على البحر الأحمر، وهو ما يمنح مصر قوة اقتصادية ولوجستية كبرى، حيث سيكون الميناء نقطة ربط بين السعودية، الأردن، وإسرائيل، مما قد يُغير التوازنات الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة.
تشير جميع المؤشرات إلى أن موازين القوى في المنطقة لم تعد كما كانت في السابق. فبينما كانت إسرائيل تعتمد بشكل كبير على تفوقها العسكري والتكنولوجي، أصبح الجيش المصري قوة يُحسب لها ألف حساب، ليس فقط من حيث التسليح والتعداد، ولكن أيضًا بسبب التغيرات السياسية والدبلوماسية التي تلعب دورًا حاسمًا في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن إسرائيل من الحفاظ على تفوقها العسكري في مواجهة جيش مصري متطور ومستعد لكافة السيناريوهات؟ الأيام القادمة وحدها ستحمل الإجابة.