ads
ads

السرعة تقتلنا ببطء.. حين يصبح الصبر رفاهية مفقودة

ماجي قطامش
ماجي قطامش

في زمنٍ تتسارع فيه الإيقاعات بلا هوادة، أصبحت السرعة هي العنوان الأبرز لعصرنا الحديث.

نطلب الطعام في دقائق، ونحصل على الأخبار في لحظة، ونتبادل الرسائل في ثوانٍ.

حتى أحلامنا لم تعد تعرف الانتظار؛ نريد كل شيء الآن، فورًا، بلا تأخير.

لكن وسط هذا اللهاث المستمر، يفرض السؤال نفسه: هل منحتنا التكنولوجيا راحة حقيقية؟ أم أنها سرقت منا فضيلة كبرى اسمها «الصبر»؟

لم يعد الإنسان يقيس نجاحه بقدر الجهد أو الوقت الذي يبذله، بل بمدى السرعة التي ينجز بها الأمور.

تحوّلت السرعة إلى مرادف للكفاءة، وصارت العجلة دليلًا على الحيوية والطموح.

ومع مرور الوقت، أصبح الإيقاع السريع أسلوب حياة لا يحتمل التمهل أو التريث.

وهنا تتجلى المفارقة: فكلما ازدادت سرعة التكنولوجيا، ازدادت في داخلنا مشاعر القلق والعجلة وعدم الرضا.

وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بقدر كبير في ترسيخ هذه الثقافة؛

فالإعجاب الفوري، والإشعارات السريعة، والتفاعل اللحظي، كلها رسائل تجعل الدماغ يبحث دائمًا عن المكافأة العاجلة.

ومع غيابها، تتولد مشاعر التوتر أو الملل، وكأننا لم نعد نحتمل الانتظار.

لقد أصبحنا نعيش في حالة “تيقظ دائم”، نخشى أن يفوتنا شيء في بحرٍ متدفق من الأخبار والمحتوى،

حتى تحولت الراحة إلى رفاهية نادرة.

لكن الصبر ليس مجرد قيمة أخلاقية أو دينية فحسب، بل هو مهارة إنسانية أصيلة.

فالدراسات النفسية الحديثة تشير إلى أن الأشخاص القادرين على تأجيل المكافأة اللحظية

يمتلكون قدرة أعلى على تحقيق النجاح المستدام، لأنهم يدركون أن الثمار الحقيقية تحتاج إلى وقت لتنضج.

في زمنٍ يختصر المسافات ويضغط الزمن، يظل الصبر هو البوصلة التي تحفظ للإنسان توازنه الداخلي وسط هذا الزخم المتسارع.

ولعل الحل يكمن في أن نتعلم من جديد كيف نُبطئ إيقاعنا قليلًا.

أن نمنح أنفسنا فترات قصيرة يوميًا بعيدًا عن الشاشات،

نقرأ، أو نمارس هواية، أو نسير في طريق بلا هدف محدد.

أن نستعيد متعة “الانتظار الجميل” التي كانت تمنحنا فرصة للتأمل والتفكير،

بدلًا من اللهاث الدائم وراء اللحظة التالية.

لقد خلقت التكنولوجيا عالمًا أسرع، لكنها لم تخلق قلوبًا أهدأ.

وربما آن الأوان لندرك أن التطور الحقيقي لا يُقاس بسرعة الإنترنت،

بل بقدرتنا على أن نحيا بإيقاعنا الإنساني الطبيعي؛

إيقاع يعرف أن لكل شيء وقته، ولكل ثمرة موسمها، ولكل حلم صبره الجميل.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً