ads
ads

من محمد مختار إلى أعضاء الجمعية العمومية: التيار الديني السروري يستعد للاستيلاء على نقابة الصحفيين.. فانتبهوا أيها السادة !

محمد مختار
محمد مختار

في هدوء وبلا ضجيج ، يتحرك التيار الديني السروري الذي يلتزم التقية داخل الجماعة الصحفية بخطى محسوبة، أقرب إلى مكر الثعالب ودهاء ابن آوى منه إلى اندفاع اللاعبين السياسيين. لا ضجيج، لا بيانات صاخبة، ولا هتافات. ولكن من يتأمل المشهد من قرب يدرك أن هناك ما يُطبخ في الخفاء، وأن النية معلنة وإن لم يُعلنها أصحابها بعد: السيطرة على نقابة الصحفيين.

التيار الديني قرأ المشهد جيدًا. التقط إشارات الغياب، واللامبالاة، والتراجع اللافت في حضور أعضاء الجمعية العمومية خلال الدورات الأخيرة. لقد لاحظ – بذكاء لا يُستهان به – أن حشد 2500 عضو لاكتمال النصاب الانتخابي بات مهمة شاقة، وأن التيار النقابي الحالي بالكاد ينجح في بلوغ هذا الرقم. ومن هنا، بدأ العمل مبكرًا، قبل نحو خمسمائة يوم كاملة من الانتخابات المقبلة، في عملية تعبئة هادئة ومنظمة لعناصره القديمة، ومحاولة استدعاء الوجوه التي غابت عن المشهد منذ سنوات.

ليست هذه أول مرة يحاول فيها التيار الديني التسلل ن إلى النقابة. كل من عاش الوسط الصحفي في الثمانينيات والتسعينيات، بل حتى سنوات ما قبل 2011، يعرف كيف كانت بعض دور النشر 'الأسرية' تُستخدم كجسور لتسريب عناصر هذا التيار إلى قلب النقابة. كانت تصدر صحفًا ومجلات لا تُقرأ ولا تُوزع، لكن الغرض منها لم يكن النشر أو التنوير، بل استصدار كارنيه العضوية لمن لا علاقة لهم بالمهنة، فقط ليكونوا حاضرين في اللحظة المناسبة.

لقد رأينا – وما زلنا نرى – كيف دخل النقابة مئات ممن لا يعرفون أبجديات العمل الصحفي، بعضهم كان مدرس كيمياء، وبعضهم إمام مسجد، وآخرون عاشوا سنوات طويلة في دول نفطية مجاورة يحملون فكرًا متشددًا لا علاقة له بحرية الكلمة ولا بروح المهنة. هؤلاء لم يدخلوا النقابة حبًا في الصحافة، بل إيمانًا بفرصة السيطرة عليها كما سيطروا على نقابات أخرى ذات يوم.

تيار ديني سروري وتكفيري لم يفلح إلا في غلق الصحف وهدم الأوطان

ولنكن صرحاء: الخطر ليس في فوز هذا التيار بمقعد أو اثنين في مجلس النقابة، بل في ما وراء ذلك من هدف سياسي وتنظيمي واضح، يجر نقابة الصحفيين– وهي مؤسسة وطنية عريقة – إلى مربعات العداء مع الدولة، وإلى خطاب الانقسام الذي خبرناه جميعًا. وهو تيار ديني فاشي لم يفلح طوال تاريخه إلا في غلق الصحف التي يتسلل لها بعد أن يطرد من يخالفونهم في الرأى منها، ولم يفلح في تجارب دول مجاورة إلا في هدم الأوطان، وإن كنت أشعر أن غياب أعضاء الجمعية العمومية عن حضور الانتخابات كما ظهر في الانتخابات الأخيرة سوف يغري هذا التيار بما هو أكثر من مقاعد مجلس النقابة .

لقد رأينا ماذا فعل هذا التيار بالمؤسسات حين تمكّن منها: أغلق صحفًا، وكمّم أفواهًا، وخلق بيئات عدائية عطلت المهنة ودفعت بالكفاءات خارج الميدان. إن التجارب الماثلة أمامنا، في دول قريبة، تؤكد أن الخطر الحقيقي يبدأ دائمًا بمقعد واحد يُستغل كمنصة، ثم يتحول إلى موجة تعصف بالبناء كله.

نقابة الصحفيين ليست مجرد مبنى في شارع عبد الخالق ثروت، وليست فقط مجلسًا أو انتخابات. إنها ذاكرة مهنة وضمير وطن. ومن المؤسف أن نرى من يحاول تحويلها إلى ساحة صراع أيديولوجي بعد أن كانت بيتًا لكل الصحفيين، مهما اختلفت آراؤهم واتجاهاتهم.

تيار فقد الحس الوطني بعد أن اصطف في مربع العدو

إن هذا المقال ليس تحذيرًا متشنجًا ولا دعوة إلى الإقصاء، بل نداء مبكر من صحفي غيورة على ما تبقى من المهنة وسط أزمات طاحنة نمر جميعًا بها ولا نريد المزيد منها، نداء من صحفي يعرف أن الإهمال في لحظة قد يفتح الباب لكل ما لا تُحمد عقباه. نداء إلى كل عضو في الجمعية العمومية: لا تتركوا مقاعدكم شاغرة، ولا تستهينوا بالغياب، فالمعارك الكبرى لا تُحسم بالضجيج، بل بالغياب الصامت للأغلبية. إن حضوركم في كل انتخابات، حتى وإن بعدت في التوقيت ، ومتابعتكم لما يجري من تحركات مبكرة، هما الضمانة الوحيدة لأن تبقى النقابة نقابة الصحفيين بحق، لا نقابة أصحاب الدعوات ولا منابر الوعظ الديني الذي لا هدف له إلا تحقيق مكاسب سياسية لتيار فقد الحس الوطني في أكثر من مناسبة بعد أن اصطف في مربع العدو وهو يتظاهر أمام سفارة مصر في إسرائيل ضد مصر ولم يتظاهر ضد حكومة إسرائيل، تماما كما اصطف قبل ذلك مع عواصم أخرى لمجرد أنها تختلف مع الموقف الوطني المصري . فانتبهوا أيها السادة، فالتاريخ لا يرحم من يغيب بينما تُسرق المهنة على أطراف أصابعه.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً