ads
ads

محمد مختار يكتب عن معالم كوميدية استثنائية لمسرح إيهاب سالم.. سجن مع وقف التنفيذ والاستعراض الأخير نماذجا

مسرح إيهاب سالم
مسرح إيهاب سالم

في مشهد المسرح المصري الذي طالما اعتاد على أنماط تقليدية من الكوميديا اللفظية والتقليد والنكتة المباشرة، يبرز مسرح إيهاب سالم كحالة خاصة واستثنائية، إذ يقدّم تجربة مختلفة تمامًا تقوم على كوميديا الموقف والحركة، لا على التهكم اللفظي أو التلاعب بالكلمات. هذا اللون المسرحي الذي يقدمه سالم لا يكتفي بإضحاك الجمهور، بل يدفعه للتفكير في ما وراء الضحك، ويجعله جزءًا من الحالة الدرامية نفسها، وكأن الكوميديا وسيلة لاكتشاف الذات والمجتمع في آنٍ واحد.

مسرح إيهاب سالم مسرح إيهاب سالم

كوميديا الموقف والحركة: سجن مع وقف التنفيذ

في مسرحيته 'سجن مع وقف التنفيذ'، يقدّم إيهاب سالم مثالًا بارزًا على هذا النهج المختلف. تدور أحداث المسرحية داخل سجن غير تقليدي، حيث تُقام منافسة فنية بين نزلاء سجون من دول مختلفة: مصر، الصين، تركيا، الولايات المتحدة، وإحدى الدول الإفريقية. غير أن المفارقة الكبرى تكمن في أن السجن يتحول إلى ساحة للإبداع، وليس للعقاب.

تتجلى كوميديا الموقف هنا في الصدامات الثقافية والإنسانية بين النزلاء، فكل سجين يحمل خلفية اجتماعية وفنية مختلفة، وتلك الفوارق تخلق لحظات من التوتر الكوميدي الرفيع. أما كوميديا الحركة فتظهر في الأداء الجسدي المميز للممثلين، إذ يعتمد العرض على الإيقاع المسرحي السريع والتعبير الجسدي المبالغ فيه، ما يمنح المشاهدين تجربة بصرية نابضة بالحياة.

ورغم الطابع الساخر، ينجح العرض في تمرير رسائل إنسانية عميقة حول الحرية، والعدالة، والفن بوصفه خلاصًا من القيود، حتى وإن كانت القيود حديدية.

الاستعراض الأخير: العلاج بالفن ككوميديا إنسانية

أما في مسرحية 'الاستعراض الأخير'، فيواصل إيهاب سالم استخدام أدواته الكوميدية غير المعتادة، ولكن في سياق إنساني أكثر دفئًا. فالعرض يدور حول ورش فنية تُقدَّم للشباب في المجتمع المصري كنوع من العلاج النفسي بالفنون، وهو مفهوم يقترب من ما يُعرف عالميًا بـ “العلاج بالفن”.

يحوّل سالم هذا المفهوم إلى مادة مسرحية نابضة، حيث تتحول الورشة إلى مسرح داخل المسرح، تتقاطع فيه القصص الشخصية للمشاركين مع لحظات من الضحك والحزن والارتباك. هنا، كوميديا الموقف تأتي من التجارب المتناقضة للشباب وهم يحاولون اكتشاف ذواتهم من خلال الفن، بينما كوميديا الحركة تتجسد في الأداء التفاعلي الذي يكسر الحواجز بين الممثلين والجمهور.

المسرحية تقدّم رؤية متفائلة للإنسان وقدرته على النهوض من الانكسار، وتجعل الكوميديا أداة للشفاء لا للسخرية، فيطرح إيهاب سالم من خلالها تساؤلات جريئة حول معنى الإبداع والحرية الداخلية.

نجوم شباب وأبطال يضيئون خشبة المسرح

يتميز مسرح إيهاب سالم أيضًا بنجومه الشباب الذين يمثلون جيلًا جديدًا من الأداء المسرحي المتقن، ومنهم: محمد أحمد، عمر سيد، يوسف غريب، كريم رمضان، يوسف حسين، جاسمين علي، زينب صلاح، ريهام صلاح، بيرلا خالد، وأحمد رمضان. هؤلاء الفنانون استطاعوا عبر أدوارهم أن يبرهنوا على قدرة الجيل الجديد في تقديم الكوميديا الواعية القائمة على الموقف والخيال، بعيدًا عن التهريج والابتذال.

إن تجربة إيهاب سالم لا تُعد مجرد إضافة إلى المسرح المصري، بل تحوّل نوعي في شكل الكوميديا نفسها، إذ جعل منها أداة للتعبير الجسدي والفكري في آنٍ واحد. فهو لا يضحك الجمهور من أجل الضحك، بل يجعلهم يعيشون حالة من التأمل عبر الضحك، فيكشف عن الإنسان في لحظاته الأكثر صدقًا، ويعيد للمسرح روحه الأصيلة كفن حيّ نابض بالحركة والموقف والإبداع.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً