في مجتمعٍ لا يرحم الضعف، قد تتحول لحظة الانفصال إلى نقطة انكسار في حياة المرأة.
فبينما يُفترض أن يكون الطلاق “نهاية علاقة”، يتحوّل في كثير من الأحيان إلى بداية معركة جديدة، تخوضها المطلقة وحدها ضد الغلاء، والعزلة، ونظرة المجتمع.
هي ليست حكاية امرأة واحدة، بل حكاية جيلٍ من النساء وجدْن أنفسهن في مواجهة الحياة دون مأوى، ودون سند، ودون حق واضح في الكرامة.
من الاستقرار إلى الانهيار : سقوط بلا شبكة أمان
كثير من النساء اللاتي عشن حياة مستقرة قبل الزواج، يجدن أنفسهن بعد الطلاق في مواجهة واقع قاسٍ.
بيت العائلة لم يعد موجودًا، الأهل الذين كانوا السند غابوا، والعمل إن وُجد لا يغطي الأساسيات.
وفجأة، تجد المرأة نفسها مطالَبة بأن تبدأ من الصفر… بلا دعم نفسي، أو حماية اقتصادية.
الطلاق في حد ذاته ليس مأساة، لكن غياب النظام الاجتماعي الذي يحمي المطلقة بعد الانفصال هو الكارثة الحقيقية.
كيف يمكن لمجتمع يتحدث عن العدالة أن يترك امرأة بلا مأوى، بعدما كانت شريكة في بيت وأسرة ومصير؟
السكن… أول امتحان للكرامة
أول ما تفقده المطلقة غالبًا هو البيت.
مع ارتفاع أسعار الإيجارات بنسبة تجاوزت 200٪ في بعض المدن المصرية خلال عام واحد، أصبح العثور على شقة لائقة حلمًا بعيد المنال.
المرأة التي لا تعمل تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مرّ: العودة إلى بيت عائلة مزدحم أو قبول السكن في مناطق هامشية تفتقر إلى الأمان.
في كلتا الحالتين، تُنتزع منها كرامة الاستقلال، وكأن الطلاق ليس انفصالًا عن رجل، بل عن المجتمع بأكمله.
حين تكون الأم بلا مأوى
الأم المطلقة تعيش معاناة مضاعفة؛ فهي مطالبة بتوفير الأمان لأطفالها بينما لا تملك حتى سقفًا ثابتًا فوق رؤوسهم.
الضغوط المعيشية، ومصاريف التعليم، وقلق المستقبل تجعلها تعيش في دوامة لا تنتهي.
وفي بعض الحالات، يتحول الأطفال إلى ورقة ضغط بين الأبوين، فتزداد الجراح اتساعًا.
المجتمع… قاضٍ بلا محكمة
بدل أن يمد المجتمع يد العون، يمد يد الاتهام.
المطلقة تُعامَل كأنها فشلت في “اختبار الحياة”، وليس كإنسانة خاضت تجربة مؤلمة.
الوصم الاجتماعي يجعلها أكثر عزلة، حتى وهي تحاول أن تعيد بناء نفسها.
أين الكرامة في أن تُدان امرأة لأنها اختارت كرامتها على الاستمرار في علاقة مؤذية؟
وأين الإنسانية حين تُترك وحدها بلا مأوى أو دخل، بعد أن فقدت بيتها وأمانها؟
المرأة العاملة… والمرأة بلا عمل
حتى المرأة العاملة لا تنجو من القسوة.
العمل يمنحها استقلالًا ماليًا، لكنه يسلبها طاقتها بالكامل. تعمل لتعيش وتُربي، لكنها تُرهق نفسيًا وجسديًا حتى الإنهاك.
أما غير العاملة، فهي الأكثر هشاشة.
تواجه المجهول بلا مصدر دخل ولا حماية قانونية، في مجتمع لا يملك نظام تأمين فعّال للمطلقات أو الأمهات المعيلات.
حين تغيب الدولة والمجتمع
في كثير من الدول، توجد برامج دعم مخصصة للمطلقات:
إعانات مالية مؤقتة، سكن ميسر، تأمين صحي، واستشارات نفسية.
أما في مصر والعالم العربي عمومًا، فما زال كل شيء يعتمد على “القدرة الفردية” أو “المساعدة من الأقارب”.
غياب منظومة الدعم يجعل الطلاق يتحول من حدث اجتماعي إلى كارثة معيشية.
من أين نبدأ؟
الحلول ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إرادة حقيقية:
1. توفير سكن اجتماعي مخصص للمطلقات والمعيلات.
2. تخصيص دعم مالي مؤقت للنساء في فترات الانتقال بعد الانفصال.
3. برامج تأهيل وتدريب مهني للمطلقات غير العاملات لإعادة دمجهن في سوق العمل.
4. حملات توعية مجتمعية لتغيير النظرة النمطية والوصم تجاه المطلقة.
“الكرامة ليست رفاهية
المطلقة لا تحتاج شفقة، بل حقًّا.
حق في بيتٍ آمن، في دخلٍ يحفظ كرامتها، وفي مجتمعٍ لا يعاقبها لأنها حاولت النجاة.
الكرامة ليست رفاهية… بل الأساس الذي تبنى عليه حياة الإنسان.
وحتى يتحقق ذلك، ستظل كثير من النساء في مجتمعاتنا يسألن في صمت:
“أين تذهب الكرامة بعد الطلاق؟”