في زاوية مضيئة من غرفة صغيرة، كانت زينب صلاح عبدالعال تجلس بهدوء، كأنها تعرف أن العالم كله قد ينتظر لحظة صمتها ليبدأ. لم تتجاوز الرابعة عشرة بعد، لكن في عينيها بريق يزاحم نضج الكبار، وبريق آخر يظل يحتفظ ببراءة الطفولة. هناك شيء في حركات يديها، في نظراتها المتأملة، وفي صمتها الذي يحمل الكثير من الكلام، يوحي بأن هذه الفتاة ليست مجرد عمر، بل هي عالم كامل يتسع لكل الأحلام.
التمثيل بالنسبة لزينب ليس مجرد أداء أو تقمص لشخصية، بل هو رحلة إلى قلب المشهد، غوص في أعماق الكلمات قبل أن تخرج على الشفاه. كل حركة منها، كل ابتسامة، كل دمعة خفية، تحوّل المشهد البسيط إلى حياة كاملة، تجعل من نصوص الورق جسدًا ينبض ويتنفس، وتترك المشاهد في صمت يعانق قلبه.
أما الرسم، فهو ملاذها الصامت، لوحاتها البيضاء التي تفيض بألوان مخيلتها. هناك خطوط تتقاطع، وألوان تتصارع، وأشكال تتحرك، كأن كل شيء فيها يرفض الجمود ويختار أن يتحرك بحرية مطلقة. الرسم بالنسبة لها ليس هواية، بل لغة، لغة تستطيع أن تبوح فيها بما لا يستطيع الكلام أن يصل إليه.
وفي المطبخ، تتحول زينب إلى ساحرة صغيرة. بين أصوات الأواني وعبق التوابل، تخلق عالمها الخاص، حيث تتلاقى النكهات كما تتلاقى الألوان على لوحاتها، فتخرج أطباقًا تحمل معها جزءًا من روحها المرحة، وعفويتها، ومفاجآتها الصغيرة التي تجعل كل طعام تجربة ممتعة لا تُنسى.
الدهشة ليست فقط في هواياتها المتعددة، بل في انسجامها العجيب. التمثيل والرسم والطبخ، كلها تجلس في قلب واحد، تتناغم بلا صراع، كما لو أن روحها الصغيرة وسعت العالم بأسره. وهي بهذه القدرة، تجعل كل لحظة تمر معها تبدو كرحلة ممتدة بين أروقة الإبداع، رحلة تشبه المشي في معرض مفتوح، حيث كل زاوية تحمل مفاجأة جديدة، وكل ثانية تحكي حكاية صغيرة عن الحياة والجمال.
زينب صلاح عبدالعال، بعمرها الذي لا يزال يحبو في دروب العالم، هي مثال حي على الطفولة الموهوبة، على الشغف الذي يتجاوز السن، وعلى القدرة على تحويل كل لحظة إلى لوحة، وكل تجربة إلى مشهد حي ينبض بالروح. الطريق أمامها طويل، والسماء فوقها واسعة، والألوان في يديها تنتظر فقط أن تُترجم إلى حياة حقيقية، حقيقية كما هي روحها، صافية، حرة، ومليئة بالدهشة.
زيبنب