رفاعة الطهطاوي.. رائد تحرير المرأة (1 - 2)

محمد ابو العيون
محمد ابو العيون

يحتفل العالم في الثامن من مارس كل عام باليوم العالمي للمرأة، وهو احتفال ذو دلالة هامة؛ إذ إننا نثمن من خلاله مساهمة المرأة الفاعلة في شتى مناحي الحياة، ونقدر دورها الملموس في دفع عجلة الإنتاج، والقيام بدورٍ رئيس في تحقيق ثورة علمية واقتصادية وسياسية واجتماعية، وقبل كل هذا القيام بدورٍ وطني فريد.
والاحتفال باليوم العالمي للمرأة، دلالة أيضًا على احترامنا وتقديرنا للنساء، وهو يعكس رقي المجتمع وتحضره، وتمسكه بالحفاظ على الحقوق التي اكتسبتها المرأة، وتأكيده على حقها في التعليم، وتبوء المناصب القيادية في الدولة، وتجريم أي عنف نفسي أو جسدي يمارس بحقها سواءً كان: ختانًا، أو حرمانًا من التعليم، أو زواجًا في الصغر... إلخ هذه الممارسات المُجرمة قانونًا والمحرمة شرعًا.

وعلى المستوى الشخصي، تطوف بذاكرتي في هذا اليوم، صفحة خالدة من تاريخنا المعاصر، وهي حياة الأزهري المستنير الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي (1801 - 1873 م)، الذي يُعد بحق رائد حركة تحرير المرأة المصرية في العصر الحديث؛ إذ أنه أول من نادى بالمساواة بين الرجل والمرأة، ووجوب منح الفتيات حقهن في التعليم، ومشاركتهن للرجل في مختلف ميادين العلم والعمل، والنظر إلى الواحدة منهن باعتبارها: «صديقة وأختًا وشريكة حياة ورفيقة درب»، وليست سقط متاع كما كان يُنظر إليهن في ذلك الوقت.

ولم تكن هذه الأفكار التنويرية مجرد أحاديث تفوه بها رفاعة، في مجالسه الخاصة، بل إنه سطرها في كتابه الرائع: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، المنشور عام 1834 م، ثم أكد عليها وتحدث عنها بتوسع واستفاضة في مؤلفيه: «المرشد الأمين للبنات والبنين»، و«مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية»، معتبرًا أن عدم احترام النساء، والنظر إليهن نظرة تحقير ودونية، دليلٌ على الطبيعة البربرية.

وقد سبق هذا الأزهري المستنير، جميع التنويريين والمثقفين والمفكرين في العالم العربي والإسلامي، حين وضع في كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين»، استراتيجية هي الأولى من نوعها لتعليم الفتيات، واعتبر هذا حق واجب وليس منة يتفضل بها المجتمع على المرأة، ورد على الادعاءات التي يزعم أصحابها أن الدين الإسلامي يُعارض تعليم الفتاة، مستشهدًا بأن كثير من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم كن يقرأن ويكتبن ويعلمن النساء.

ولأن دعوة تحرير المرأة تصطدم في المقام الأول، بأنصار الجمود والتقليد؛ فقد آثر رفاعة أن يضمن كل آرائه بأدلة شرعية تؤكد صحة ما يذهب إليه، وتدعم مشروعية دعوته، وهي الأدلة التي كشفت زيف النصوص التراثية والآراء الفقهية التي ساوى بعضها بين المرأة، وبين الكلب والحمار، واعتبرها البعض الآخر متاعًا مملوكًا ليس لها أي حقوق، وأمام قوة المنهج وجزالة «الرأي الرفاعي»، لم يجد مقدسو التراث طريقة لوأد هذا الصوت المستنير سوى تشويه صورته، وترديد الشائعات حوله أملًا في صرف الناس عن تبني دعوته.

إن رفاعة الطهطاوي، يُعد بحق هو أول فارس في العصر الحديث، جاهر بدعوة تحرير المرأة، ووجوب منحها حقوقها كاملةً، مُنطلقًا في دعوته تلك من صحيح الدين الإسلامي، ولم يجد أي غضاضة ولم يخش لومة لائم حين جاهر صراحة في مؤلفه الماتع «المرشد الأمين للبنات والبنين»، بأن أحد أهم أسباب تخلف العالم الإسلامي يرجع إلى تهميش دور المرأة، وحرمانها من حق المشاركة في الحياة العامة، على الرغم من أن الدين لم يسلبها هذا الحق؛ بل إن العائق الذي ظل يحدُ من تفتحها وتطورها هو «العوائد المحلية المشوبة بجمعية جاهلية».

ثم إن رفاعة، لم يكتفي بالدعوة إلى وجوب تعليم الفتيات، بل تجاوز هذا إلى الدفاع عن حق المرأة في العمل، وتوليها الوظائف القيادية مثلها في هذا مثل الرجل؛ يقول هذا الأزهري المستنير في مؤلفه «المرشد الأمين للبنات والبنين»: «إن العلم يهيئ للمرأة سبيل العمل؛ فتتعاطى من الأعمال ما يتعاطاه الرجل على قدر قوتها وطاقتها إذا دفعتها الحاجة إلى ذلك، وهذا من شأنه أن يشغلها عن البطالة، فإن فراغ يدها من العمل يُشغل لسانها بالأباطيل، وقلبها بالأهواء؛ فالعمل يصون المرأة عما لا يليق، ويقربها من الفضيلة، وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال، فهي مذمة عظيمة في حق النساء».

ولم يتوقف رفاعة، عند هذا الحد، بل إنه اقتحم معتركًا شائكًا لم يجرؤ أحدٌ قبله على اقتحامه، وذلك حين تحدث عن قضيتين يشغلان الرأي العام الإسلامي في وقتنا الراهن، أولهما: مسألة الحجاب؛ إذا أنه رفض ربط عفة المرأة بالحجاب، وأكد أن عفتها في أخلاقها وحُسن تربيتها، أما القضية الثانية التي اتخذ من نفسه أنموذجًا عمليًا على الدعوة إلى تطبيقها فكانت رفض تعدد الزوجات، وسنقف بشيء من التفصيل عند آرائه حول هاتين القضيتين في مقالنا المقبل.

للتواصل مع الكاتب:

[email protected]

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً