عبد الغني هندي: التيار الإلحادي اخترق الأزهر.. هناك قيادات داخل المؤسسة ضد الإصلاح.. وهذه رؤيتي لنقل تبعية الكليات العلمية إلى المجلس الأعلى للجامعات (حوار)

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

◄ المشير طنطاوي تصدى لمخطط 'أخونة الأزهر'.. وخلايا الإخوان والوهابية متواجدون في المشيخة على مستوى القيادات والأفراد

◄ اختيار يوسف القرضاوي عضوًا بهيئة كبار العلماء لم يُفرض على الأزهر.. وحسن الشافعي ضمّ شخصيات إخوانية إلى الهيئة

الأزهر تُرك فريسة للتيارات المتشددة والمنحرفة 40 عامًا.. والجماعات يريدون من المشيخة لعب دور المعارض للدولة

◄ الإصلاح لن يتحقق إلا إذا أصلحت المؤسسة نفسها.. ويجب إبعاد أصحاب الأفكار المتطرفة من هيئة التدريس بالجامعة

◄ المتطرفون يسيطرون على المحتوى الرقمي الديني.. وهذا أحد سبب نجاح داعش في استقطاب وتجنيد مسلمي الغرب

◄ جميع قيادات 'الأوقاف' قبل 30 يونيو كانوا من الإخوان.. ومفتي الجماعة الإرهابية تولى عمادة إحدى كليات الأزهر

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاميةعبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

قال عبد الغني هندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: إن الأزهر تُرك طوال 40 عامًا فريسة للجماعات المتشددة والتيارات المنحرفة بدون رقيب، وكانت القيادة السياسية في ذلك الوقت راضية وسعيدة بما يحدث، وتركت الساحة للإخوان، ووسائل الإعلام التي كان الشعب يستقي منها معارفه كانت حكرًا على من سموا أنفسهم سلفيين، مشيرًا إلى أنه بعد العام 2010 كانت هناك شخصيات قيادية داخل الأزهر ضد الإصلاح والتطوير ولم يكن هؤلاء يصلحوا لإدارة المشهد داخل المؤسسة الدينية؛ لأنهم كانوا يعادون أي شخص لديه رؤية ويتحدث عن الإصلاح والتطوير داخل المؤسسة.

وأضاف عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، في حواره لـ'أهل مصر'، أن اختيار مفتي الإرهاب يوسف القرضاوي، عضوًا بهيئة كبار علماء الأزهر عقب عام 2011 أمرٌ لم يُفرض على قيادات المشيخة، وما حدث أن شيخ الأزهر كلف الدكتور حسن الشافعي، بتشكيل الهيئة واختيار أعضائها، ومن المعروف أن الشافعي كان قريبًا من الإخوان ولذلك هو لم يكتفي بضم القرضاوي فقط، بل أتى ببعض الأشخاص المحسوبين على الجماعة وضمهم كذلك إلى الهيئة.

وأوضح هندي، أن إستراتيجية إصلاح الأزهر التي تقدم بها لرئاسة الجمهورية تهدف إلى تنفيذ 10 بنود من أهمها تعديل القانون 103 لسنة 1961، وأنه في حال حدوث هذا التعديل ستصبح جامعة الأزهر جزء من المجلس الأعلى للجامعات.. وإلى نص الحوار:

عبد الغني هندي في حواره لـعبد الغني هندي في حواره لـ'أهل مصر'

◄ كنت شاهد عيان على الكثير من الأحداث شديدة السرية داخل المؤسسة الدينية خلال فترة يناير 2011 وما تلاها، في ذلك الوقت قدمّ إلى مصر يوسف القرضاوي داعمًا لأجندة الإخوان؛ ما الذي حدث وجعل الأزهر يُرسل مندوبًا رسميًا ليكون في استقبال مفتي الإرهاب؟

- الأزهر لم يستقبل يوسف القرضاوي، عقب عودته إلى مصر بعد أحداث 25 يناير؛ لأن الإخوان هم من كانوا يتحكمون في المشهد - حينئذ - وبالتالي قيادات الجماعة كانوا في استقباله، وبالعكس في ذلك التوقيت وبينما كان القرضاوي يخطب بميدان التحرير كان مكتب شيخ الأزهر محتلًا من الإخوان، والتقارب حدث بعد ذلك وعليه تم اختياره عضوًا بهيئة كبار العلماء.

وأعتقد أنك تقصد الإشارة إلى ما حدث قبل 25 يناير 2011؛ حين عقد الأزهر مؤتمرًا عن الأشاعرة ووجه الدعوة ليوسف القرضاوي كي يحضر هذا المؤتمر، وفي العموم هناك أحداث أخرى وقعت بعد هذا التاريخ.

◄ هل فُرض اختيار يوسف القرضاوي عضوًا بهيئة كبار العلماء أم أن الأزهر هو من سعى إلى ضمه للهيئة؟

- اختيار مفتي الإرهاب يوسف القرضاوي، عضوًا بهيئة كبار علماء الأزهر أمرٌ لم يُفرض على قيادات المشيخة، وما حدث أن شيخ الأزهر كلف الدكتور حسن الشافعي، بتشكيل الهيئة واختيار أعضائها، ومن المعروف أن الشافعي كان قريبًا من الإخوان ولذلك هو لم يكتفي بضم القرضاوي فقط، بل أتى ببعض الأشخاص المحسوبين على الجماعة وضمهم كذلك إلى الهيئة.

والأزهر حتى في وقت الضعف لم يسعى لأحد، بل الإخوان هم من كانوا يسعون إليه، لأنهم كان لديهم مشروع للسيطرة على المؤسسة الدينية وكانوا يخططون أن يجلس 'إخواني' على كرسي شيخ الأزهر في يوم من الأيام، وهذا لم يحدث ولن يحدث.

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاميةعبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

◄ في ذلك الوقت أنت أسست 'الحركة الشعبية لاستقلال الأزهر'؛ ماذا كنت تقصد باستقلال الأزهر وما هي الأهداف التي كانت تتبناها الحركة؟

- أسست هذه الحركة في 20 مارس 2011، واستلهمت الاسم من شيخ الأزهر الراحل عبد الله الشرقاوي - رحمه الله -، إذ أنه أسس خلال سنوات الاحتلال الفرنسي 'الحركة الشعبية لاستقلال مصر'، وكنت أقصد استقلال الأزهر من التيارات الدينية، وكان مشروعي يقوم على عدة نقاط منها: أن الأزهر حين يعمل لصالح تيار معين ينتهي؛ لذلك يجب أن يكون على مسافة من كل التيارات، إضافة إلى ضرورة أن يكون ما يقوم به من عملية تعليمية قائمة على 'العلم المحايد'، وكذلك أن تكون منهجيته قائمة على التعددية المذهبية التي عمادها طرح الأفكار وتداولها.

وللأسف الشديد في بداية 2011 كانت هناك الكثير من شخصيات المجتمع المدني يظنون أن الإخوان هم التيار الإصلاحي داخل المؤسسة الدينية، وهذا كلام غير حقيقي، ونحن كنا الصوت الذي يقول دائمًا: الإخوان يريدون التهام الأزهر، ولذلك فتصحيح الصورة المغلوطة التي كانت راسخة في أذهان رموز المجتمع المدني كانت من الأهداف التي بذلنا مجهودًا شاقًا لتحقيقها، وفي معرض هذا تواصلنا مع كل التيارات الموجودة في المجتمع في ذلك الوقت للتوعية بهذا الخطر، والتأكيد على أن الأزهر حصن مهم جدًا في الحفاظ على مدنية الدولة بعيدًا عن تيارات الإسلام السياسي أو الراديكالي.

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاميةعبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

◄ في أي جبهة كانت تقف المؤسسة الدينية قبل وأثناء ثورة 30 يونيو 2013.. مع الإخوان أم ضدهم أم أنهم اختاروا الحياد؟

- لا نستطيع تقيم موقف المؤسسة الدينية جملة واحدة؛ فوزارة الأوقاف - في ذلك الوقت - كان وزيرها الدكتور طلعت عفيفي، وأكثرية قيادتها مثل صلاح سلطان، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، كانوا جميعًا ينتمون لجماعة الإخوان، والأمر ذاته تكرر في جامعة الأزهر؛ حيث كانت هناك قيادات إخوانية تتولى مناصب قيادية بكليات الجامعة، وأبرز هؤلاء مفتي الجماعة الإرهابية الدكتور عبد الرحمن البر، حيث كان عميدًا لإحدى الكليات.

وإذا تحدثنا عن هل تصدي الأزهر لجماعة الإخوان أم لا؟ فهذا يحتاج أولًا إلى تقرير واقع حدث وهو أن الجماعة شنت حملة معادية ضد الكثير من قيادات المؤسسة الدينية الذين كانوا يرفضون مخطط الأخونة، والسبب وراء هذا العداء أن الإخوان كان لديهم مشروع يهدف إلى السيطرة على الأزهر وكانوا يجهزون يوسف القرضاوي للجلوس على كرسي الإمام الأكبر، والذي تصدى لهذا المخطط الإخواني وأفشله هو المجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، عن طريق تعديل القانون 103 لسنة 1961 وذلك قبل انعقاد البرلمان الإخواني بثلاثة أيام حصن خلاله الأزهر وجعله في مأمن عن المخططات الإخوانية.

◄ هل هذا يعني أنه كانت هناك حالة مقاومة شديدة من الأزهر ضد الإخوان أثناء العام الذي حكموا فيه مصر؟

- لا؛ لم تكن هناك حالة استنفار قصوى ضد المخطط الإخواني، وبعبارة أدق لم تكن مقاومة المؤسسة الدينية بنفس المستوى الذي يشن به الإخوان هجومهم ضد القيادات الأزهرية الرافضين لمخطط الأخونة، وهناك عدة أدلة تؤكد ما أذهب إليه أهمها واقعة تعيين 6033 معيدًا بجامعة الأزهر غالبيتهم ينتمي إلى الجماعة.

◄ هل كان الأزهر يملك الوسائل التي تمكنه من مقاومة الإخوان والتصدي لمخططهم بقوة؟

- الأزهر لم يكن يملك هذا، وفي الحقيقة على مستوى القيادات التي كانت تتصدر المشهد داخل المؤسسة - في ذلك الوقت - لم تكن هناك مواجهة بينهم وبين الإخوان، والذي كان يمثل جبهة المقاومة ضد المخططات الإخوانية في ذلك الوقت كنا نحن، حيث أنشأنا داخل الجامعة أسرة 'الرواق الأزهري' ثم أسرة 'أزهريون' وكنا نهدف من خلالها إلى التصدي لأسرة جيل النصر المنشود التي أسستها جماعة الإخوان داخل جامعة الأزهر، كما قدمنا الدعم لأعضاء هيئة التدريس المتمسكين بالمنهج الأزهري والرافضين لمخطط الجماعة، ونفس الأمر فعلناه في وزارة الأوقاف حين أسسنا نقابة مستقلة للأئمة وقفت ضد النقابة الإخوانية.

وحتى يتضح الموقف أكثر أقول إنه كان هناك حالة استنفار فيما يتعلق بمسألة الحفاظ على منهجية الأزهر، وهذه الجانب كانت المواجهة فيه كبيرة وبشكل واضح؛ باستثناء بعض الحالات والمواقف لبعض الشخصيات الذين كانوا يتصدرون المشهد في المؤسسة ويرفضون مواجهة الإخوان.

عبد الغني هندي في حواره لـعبد الغني هندي في حواره لـ'أهل مصر'

◄ عام 2014 أعددت 'إستراتيجية إصلاح الأزهر' وتقدمت بها إلى مؤسسة الرئاسة؛ كان إعداد هذه الإستراتيجية مبادرة منك أم أن رئاسة الجمهورية طلبت منك إعدادها؟

- ما حدث أنني كنت ضيفًا في إحدى اللقاءات التلفزيونية، وتحدثت خلال ذلك اللقاء عن رؤيتي لتجديد المؤسسة الدينية، وعقب انتهاء اللقاء اتصل بي الدكتور كمال الجنزوري، مستشار رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء الأسبق، وطلب مني أن نلتقي وقد حدث بالفعل؛ ثم طلب مني أن تكون رؤية تجديد المؤسسة التي طرحتها مشافهة مكتوبة، وقمت بهذا وقدمت رؤية متكاملة، والدكتور الجنزوري أثنى عليها وقال إنه سيعرضها على الرئيس عبد الفتاح السيسي.

◄ ما هي أبرز بنود هذه المبادرة؟

- المبادرة لم تكن عرضًا لوجهة نظري أو لأمور خاضعة للتقدير بل كانت تتضمن 10 نقاط جوهرية وضرورية ولا مفر إذا أردت عمل أي إصلاح من تنفيذ هذه النقاط، منها مثلًا وجوب تحديد منهجية واضحة للأزهر ومن يخالف هذه المنهجية يعتبر ليس أزهري، وضرورة تعديل القانون 103 لسنة 1961، وعمل لجنة صلاحية تعمل على تنقية أعضاء هيئة تدريس الجامعة الذين كانوا ينتمون للجماعات وينشرون فكر الانقسام والإرهاب والتطرف طوال 20 سنة سبقت عام 2010، وإعادة النظر في التعليم الأزهري ما قبل الجامعي بحيث يبدأ تقسيم الطلبة من مرحلة مبكرة، وفي التعليم الجامعي يجب أن تكون هناك إدارة مستقلة للكليات الشرعية وإدارة أخرى للكليات العملية، ومن ضمن النقاط الهامة التي ذكرتها في المبادرة ضرورة عودة الأزهر إلى المراكز الإسلامية بالغرب، والآن نحن نرى خطورة هذه المراكز وحديث رؤساء الدول الأوروبية عنها.

◄ وماذا حدث بعد تقديمك لهذه الإستراتيجية؟

- في العام الذي قدمت فيه الإستراتيجية كانت هناك شخصيات قيادية داخل الأزهر ضد التطوير، ولديهم عداوة لكل شخص لديه رؤية تتحدث عن الإصلاح داخل المؤسسة، وبالفعل عقب عام 2014 بثلاث أو أربع سنوات تم الاستغناء عنهم وإعفائهم من مناصبهم، وهؤلاء لم يكن يصلحوا لإدارة المشهد داخل المؤسسة الدينية.

وأؤكد مرة أخرى أنني لم أطرح مبادرة فيها مجموعة من الآراء بل طرحت إجراءات كان من المفترض أن تتم منذ زمن؛ لأن المؤسسة لن تقوم بالإصلاح إلا لو أصلحت من نفسها أولًا.

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاميةعبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

◄ ذكرت أن من ضمن بنود هذه المبادرة نقل تبعية الكليات العلمية من جامعة الأزهر إلى المجلس الأعلى للجامعات مع الإبقاء على الكليات الشرعية فقط، وهناك نواب في البرلمان وشخصيات عامة طالبوا بهذا لكن الأزهر ثار ضدهم؛ ألا تخشى أن تنالك سهام من هذه الثورة؟

- أنا قلت يجب أن تكون هناك إدارتين، إحداهما إدارة أزهرية للكليات الشرعية ويضاف إليها بعض الكليات التي سنستفيد منها مثل كليتي التجارة لدراسة الاقتصاد الإسلامي، واللغات والترجمة قسم الدراسات الإسلامية باللغات المختلفة، والإدارة الثانية للكليات العلمية وتكون إدارتها ليست أزهرية؛ لأن هذه الكليات في الأساس ليست أزهرية ومن الممكن أن تظل هذه الكليات متواجدة داخل جامعة الأزهر وفي نفس الوقت تكون تابعة للمجلس الأعلى للجامعات.

ومن الملاحظ طوال العقود السابقة أن هناك شرط رئيس لاختيار رئيس جامعة الأزهر، وهو أن يكون خريج إحدى الكليات الشرعية والعربية، ولذلك أطالب بأن تكون هناك إدارة مستقلة للكليات العلمية على أن يتم اختيار رئيس هذه الإدارة من خريجي هذه الكليات لأنه سيكون أدرى بالمشاكل التي تواجههم وطرق حلها ووضع رؤية أمثل لتقدمها.

◄ وهل ترى أن فصل كليات الأزهر الشرعية والعربية عن الكليات العلمية أمرٌ قابل للتنفيذ؟

- يجب تعديل القانون 103 لسنة 1961 - وهذا ما سبق وطرحته -، وعند حدوث هذا التعديل ستصبح جامعة الأزهر تلقائيًا جزء من المجلس الأعلى للجامعات، وبالتالي لن تكون هناك مشكلة في أن تتبع إدارة الكليات العملية إشرافيًا المجلس الأعلى للجامعات.

◄ وما هي الصيغة المناسبة لتعديل القانون 103 لسنة 1961؟

- في الوقت الراهن سنستبعد نهائيًا من تعديل القانون النصوص التي تتحدث عن شيخ الأزهر، لتبقى كما هي، حديثي الآن يتركز على تنفيذ رؤية للتعليم ما قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، ورؤية ثانية للكتب الدينية التي تُدرس داخل الأزهر، ورؤية ثالثة لمواجهة تحديات وظروف العصر الذي نعيش فيه، ورؤية رابعة للدعوة داخل المؤسسة الدينية، والسؤال الهام هنا: كيف يكون لديّ كل هذا العدد من الطلاب المنتسبين للكليات الشرعية والعربية ولا توجد سنة تكليف لهؤلاء الطلبة؟!

كل هذا يجعلني أؤكد أننا في حاجة ماسة إلى إعادة طرح وتعديل القانون 103 لسنة 1961، خاصة وأن هذا القانون تم ترقيعه 4 مرات، على أن يتضمن التعديل معالجات حديثة تتماشى مع التحديات التي تمر بها مصر والأزهر الشريف ومنطقة الشرق الأوسط ويمر بها العالم الإسلامي أجمع.

ونحتاج كذلك إلى إعادة النظر في أمور كثيرة تحقق كل ما نصبو إليه ونستطيع من خلالها التغلب على التحديات التي يمر بها الأزهر؛ فعلى سبيل المثال هناك بعض الإدارات الموجودة في الأزهر يوجد مثلها في المؤسسة نفسها وفي دار الإفتاء ووزارة الأوقاف، مثل: هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والوعظ والأئمة، كما يجب أن يكون الجانب التعليمي مستقلًا عن الجانب الدعوى، وتحديد الجانب الإفتائي.

كل ما سبق وغيره يجعل مطلب توحيد المؤسسات ضروري، خاصة أن لديك أزمة جديدة طرأت على الساحة ولابد أن تبذل فيها مجهودًا مضاعفًا، هذه الأزمة هي المحتوى الرقمي الديني الذي أصبح الناس اليوم يأخذون معلوماتهم الدينية منه وليس من خلال الشيوخ، وأنت كمؤسسة دينية لا تمثل في هذا المحتوى شيء، والذي يسيطر عليه من أنفقوا على الجماعات الإسلامية والتيارات الأصولية منذ ثمانينيات القرن الماضي وبالفعل نجحوا حتى الآن أن تكون أفكارهم وحدهم هي المنتشرة على شبكة الإنترنت، وهذا أحد أهم أسباب نجاح هذه الجماعات في استقطاب وتجنيد مسلمي الغرب، ونجاح داعش في ضم هذا العدد الهائل من الشباب سببه سيطرتهم على المحتوى الرقمي الديني.

يجب تحديد التحديات في مسألة حضور الخطاب الديني الخاص بنا ووصوله سواء للمسلمين أو لغير المسلمين، وهذا ما يجعلني أؤكد أننا نحتاج إلى عمل إستراتيجية متكاملة تشترك فيها الجهات المختلفة فيما يتعلق بمسألة وصول خطاب رصين يعبر عن الوجه الحقيقي للإسلام.

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاميةعبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

◄ وهل نحن قادرون في وقتنا الراهن على إيجاد خطاب رصين يعبر عن الوجه الحقيقي للإسلام ويصل إلى الجميع؟

- لا.

◄ ما هي العوائق الحائلة دون وصولنا إلى هذه الغاية؟

- أول عائق عدم وجود تنسيق على مستوى المؤسسات الدينية الموجودة بالداخل؛ لأن هذا خطاب وجهد يقوم على اشتراك الجميع فيه، كما أن البوصلة ليست محددة وبعبارة أدق لا يوجد تحديد للأهداف الكبرى، ولو تحدثنا على مستوى الإمكانيات نجد أن الدولة المصرية أتاحت إمكانيات كبيرة جدًا من زيادة في الميزانيات وغيرها، لكن على مستوى رد فعل المؤسسة الدينية لم نجد أي جهد يبذل. هناك مؤتمرات كثيرة عُقدت، وهناك كلام أكثر قيل؛ لكن على أرض الواقع وفيما يتعلق بالأهداف الكبرى لم يتحقق شيء.

◄ من المسئول عن الفرقة والتقسيم وعدم توحيد الجهود بين أفرع المؤسسة الدينية؟

- هناك عدة أسباب، من أهمها فقدان قنوات التواصل بين الدولة وبين الأزهر، وهذا حدث منذ عام 2012 حين عُدل القانون 103 لسنة 1961، ونقل على إثره وزارة شئون الأزهر والمجلس الأعلى للدعوة من مجلس الوزراء إلى المشيخة، والمفترض أن يُعاد فتح هذه القنوات مرة أخرى؛ لأن بقاء الوضع على ما هو عليه ليس في مصلحة الدولة ولا المؤسسة الدينية.

عبد الغني هندي في حواره لـعبد الغني هندي في حواره لـ'أهل مصر'

تقول: إن الإشكالية الحقيقة تتمثل في عدم وجود آليات واضحة للتواصل بين الأزهر والجماهير مما أوجد شعورًا بعدم الانتماء للمؤسسة؛ هل أصبح الأزهر يعيش في معزل عن واقع الناس ومشاكلهم؟

- الأزهر كان مُبعدًا لأكثر من 40 عامًا عن الاحتكاك بمشاكل الناس، وقد فُرض عليه وعلى المسئولين عنه هذا الأمر، لأن القيادة السياسية في ذلك الوقت تركت الساحة للإخوان، ووسائل الإعلام التي كان الشعب يستقي منها معارفه كانت حكرًا على من سموا أنفسهم سلفيين.

كما أنه طوال هذه العقود الأربعة تُرك الأزهر فريسة للجماعات المتشددة والتيارات المنحرفة بدون رقيب، وكانت الدولة – حينئذ - راضية وسعيدة بما يحدث، وهذا واقع كان موجودًا وظهرت نتائجه حين تصدرت جماعة الإخوان المشهد عقب 25 يناير 2011، وشاهدنا كيف أن الذين ينظمون مسيرات الجماعة ويقفون فوق منصاتها ليهاجموا الأزهر ومنهجه وشيخه ويكفرون الأشاعرة، جميعهم كانوا يرتدون الزى الأزهري وينسبون أنفسهم للأزهر، وكنا في حاجة إلى بناء إستراتيجية تشتبك مع هؤلاء وتقهرهم ولكن هذا لم يحدث، هذا جانب مهم يجب وضعه في الاعتبار عند معالجة المشكلة.

والجانب الآخر يتمثل في أن الجماعات تريد من المؤسسة الدينية القيام بدور المعارض للدولة، والأزهر لا يصلح لدور المعارض أو المؤيد إنما دوره ينصب على نشر حالة علمية موضوعية مستقلة تعبر عن الدين الصحيح، وهذا جانب موضوعي وليس له علاقة بالتحزبية؛ لأن الأزهر إذا تحزب لهذا أو ذاك سينتهي.

◄ هذا يعني عدم تدخل الأزهر في السياسة مطلقًا؟

- نعم؛ باستثناء بعض الأمور المتعلقة بالقضايا العامة التي يُطلب فيها رأي الشريعة، مثل قانون الأحوال الشخصية الذي يقوم معظمه على مواد مستمدة من الشريعة الإسلامية ومن الفقه، وهنا يطرح الأزهر رأيه من منظور علمي وليس من منظور له علاقة بأنني مع أو ضد.

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاميةعبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

◄ تقول: إن الأزهر يعاني بسبب تدهور حاله منذ عدة عقود إلى أن آل الأمر إلى اختراقه من المتشددين والمنحرفين فكريًا؛ هل المتشددون والمنحرفون فكريًا هم الإخوان والوهابية أم أنك تقصد تيارات أخرى؟

- الإخوان والوهابية والملحدين وغيرهم من التيارات المتشددة والمنحرفة فكريًا.

◄ التيار الإلحادي اختراق الأزهر..!!

- نعم، كان هناك طلاب بالجامعة يعتنقون أفكارًا إلحادية.

◄ وهل ما زال التيار الإلحادي متواجدًا في الأزهر حتى الآن؟

- نعم ما زال - وسيظل - موجودًا؛ لأن الأزهر جزء من المجتمع وهذا تيار موجود في مجتمعنا.

◄ ملحدو الأزهر هل هم من الطلبة أم أنهم خليط من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس؟

- من الطرفين، وكان هناك عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر يروج للأفكار الإلحادية، ولكنني في حديثي أركز على انتشار هذا التيار بين الطلبة؛ لأنه الجانب الأشد خطورة.

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاميةعبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

◄ وماذا عن الإخوان والوهابية؛ كيف نجحوا في اختراق الأزهر؟

- هناك نوعان من الاختراق، الأول: اختراق منهجي، وهذا لم ينجح فيه الإخوان والوهابية، بسبب أن منهج الأزهر ليس له بديل، وهذا يتطلب أن نقوي هذا المنهج ونقومه وندعمه لأنه الوحيد القادر على التصدي للجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، ولذلك أنا قلت أكثر من مرة إن الحفاظ على منهج الأزهر قضية وطنية، والنوع الثاني: اختراق تنظيمي، وهذا ما نجحوا فيه من خلال الكتب، والندوات، وتجييش الطلبة.

◄ الآن وبعد مرور 7 سنوات من سقوط حكم الجماعة الإرهابية؛ هل تخلص الأزهر من الخلايا الإخوانية والوهابية التي كانت تنتشر في معاهده وكلياته؟

- لا؛ ما زالت خلايا الإخوان والوهابية متواجدة في الأزهر على مستوى القيادات وعلى المستوى الفردي.

عبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلاميةعبد الغني هندي - عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

◄ لننتقل إلى قضية الساعة؛ ما هي رؤيتك حول تجديد الخطاب الديني؟

- أول من دعا لتجديد الخطاب الديني هو النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين قال: 'إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها'، ومصطلح التجديد حين نفككه يخرج منه 3 محاور: تجديد الفكر، وتجديد الخطاب، وتجديد الآليات.

تجديد الفكر، وهو المحور الأول أزمته في حضور الفكر الصحيح الذي يدعو إلى التسامح والتعايش وحب الحياة وتطويرها وبنائها وعمارتها على حساب نظيره المتطرف الذي يدعو إلى التخريب والدمار والإرهاب وكل ذلك، أو حضور الفكر الإسلامي على حساب الفكر الجماعاتي.

أما تجديد الخطاب أو تحديثه، فأزمته في اللغة التي نتواصل بها، وهذه تحتاج إلى إعادة شرح النصوص مرة أخرى بلغة بسيطة وعصرية وحديثة يفهمها المسلمون وغيرهم سواء في الداخل أو الخارج.

وفيما يتعلق بالمحور الثالث الخاص بتجديد الآليات، فهذا هو الأمر الأكبر والأصعب والأخطر، والذي لم نفعل فيه أي شيء؛ لأن النجاح في توصيل الفكرة وحضور الخطاب يلزمه وجود منصات تمكنني من توصيل ما أريده للناس، وللأسف الشديد حتى الآن الصوت الأعلى والأكثر وصولًا إلى الجمهور المتلقي هو صوت الجماعات وليس صوت الإسلام الذي يعبر عنه الأزهر، والسبب في هذا القصور في الآليات، كما أن الجماعات تتحرك بعيدًا عن المشاكل الإدارية، ولديهم جهات تنفق ببذخ على مخططاتهم، وباختصار هم لديهم تخطيط على مستوى الحركة والطباعة والمنصات الإليكترونية والقنوات الفضائية وأنت ليس لديك شيء.

◄ وما السبيل إلى التغلب على هذه الإشكاليات؟

- أن يكون لدينا آليات بديلة وحاضرة أكثر مما يمتلكه الجماعات، ونحن الآن نمتلك مقومين، الأول: الفكر الصحيح، والثاني: إعطاء فرصة للحلول الابتكارية التي تستطيع من خلالها الوصول إلى الناس.

نحتاج إلى أفكار ابتكارية، وتأسيس منصات تجعل خطابنا حاضرًا، وللأسف كل هذا ليس موجودًا، أو أن الأهداف المفصلية والفكرة غائبة من الأساس، والسبب في هذا افتقاد الرؤية الواضحة والمتمثلة في عودة الأزهر مرة أخرى ليسيطر على منصة الخطاب الديني داخليًا وإقليميًا وعالميًا.

◄ هل المؤسسة الدينية لديها رغبة في تجديد الخطاب الديني؟

- على مستوى الفكر نعم، وعلى مستوى اللغة هناك مجهودات تبذل، أما على مستوى الآليات فلا شيء يحدث، وما يدعو للأسف في هذا الجانب أن لدينا أفكار أضعاف تلك الموجودة لدى الجماعات، لكننا نفتقد آلية شرحها في خطاب حداثي ونفتقد كذلك وسائل توصيلها إلى المتلقي.

نقلاً عن العدد الورقي.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً