في خطوة غير مسبوقة من حيث حجم التوافق الإنساني، دعت 169 منظمة إغاثة دولية إلى إنهاء خطة توزيع المساعدات الإنسانية التي تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل في قطاع غزة، بعد تواتر التقارير حول مقتل مدنيين أثناء محاولاتهم الحصول على الحصص الغذائية في ظل انهيار شبه تام للنظام الغذائي داخل القطاع.
المنظمات، وفي بيان مشترك صدر عنها، طالبت بوقف فوري لـ"خطة التوزيع الإسرائيلية القاتلة"، في إشارة إلى آلية المساعدات التي تديرها مؤسسة "غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي تم تكليفها بملف توزيع الغذاء منذ أواخر مايو/أيار الماضي، عقب تخفيف جزئي للحصار الكامل الذي فُرض على غزة منذ مارس.
"كارثة ممنهجة" في مراكز التوزيع
البيان وصف المشاهد التي تتكرر أمام مراكز المساعدات في غزة بأنها "كارثة إنسانية ممنهجة"، حيث وثّقت تقارير حقوقية وإعلامية عشرات الحوادث التي فتحت خلالها القوات الإسرائيلية النار على المدنيين المنتظرين في طوابير المساعدات، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا، آخرهم 17 قتيلاً يوم السبت الماضي.
المنظمات أكدت أن هذه الحوادث لم تكن "استثناءً"، بل باتت "مشهداً يومياً"، ما يقوّض شرعية واستقلالية آلية توزيع المساعدات الحالية، ويحمّل الجهات الدولية الداعمة لها، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مسؤولية مباشرة عن تدهور الوضع الإنساني في القطاع.
مقارنة صارخة مع آلية الأمم المتحدة السابقة
في مطالبتها بالعودة إلى آلية المساعدات التي كانت تقودها الأمم المتحدة قبل مارس/آذار، شدّدت المنظمات على أن تلك الآلية رغم كل القيود المفروضة عليها سابقاً، كانت تحظى بحدّ أدنى من الحماية القانونية والضمانات الدولية، وتقلّ فيها نسب الحوادث الدموية والانتهاكات.
وتشير التقارير إلى أن إسرائيل كانت قد فرضت في مارس حصاراً شاملاً على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، متذرعة بانهيار محادثات التهدئة مع الفصائل الفلسطينية، وهو ما أدّى إلى توقف شبه كامل للعمليات الإغاثية الدولية، قبل أن يُسمح لاحقاً، وتحت ضغط دولي، بعودة محدودة لتوزيع الغذاء عبر "مؤسسة غزة الإنسانية".
لكن المنظمات الآن ترى أن "هذه الخطة فشلت أخلاقيًا وعمليًا"، وأنها "تحوّلت من مبادرة إنسانية إلى أداة قمع وتجويع"، على حد تعبير البيان.
حصار خانق وشبه مجاعة.. والأفق مغلق
إلى جانب المطالبة بوقف الخطة الحالية، دعت المنظمات إلى "اتخاذ إجراءات فورية لرفع الحصار الذي تفرضه إسرائيل على المساعدات والإمدادات التجارية"، مؤكدة أن الظروف الإنسانية في القطاع باتت "لا تُطاق"، مع انهيار شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وتوقف المستشفيات عن العمل، ونفاد مخزون الدواء والغذاء.
وتقول تقارير أممية إن ما يزيد عن 1.1 مليون شخص في غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين تلوح في الأفق مؤشرات على مجاعة فعلية إذا لم يتم استئناف تدفق المساعدات بشكل آمن ومنتظم.
وبحسب المنظمات، فإن استمرار استهداف مراكز المساعدات يعرقل أي محاولة حقيقية لمعالجة الأزمة، ويوجّه رسالة واضحة بأن المدنيين في غزة لم يعودوا بمنأى عن نيران الحرب، حتى أثناء بحثهم عن "رغيف خبز أو كيس دقيق".
"غزة الإنسانية".. الاسم لا يعكس الواقع
مؤسسة "غزة الإنسانية"، التي شُكّلت بشكل مفاجئ لإدارة عملية الإغاثة في القطاع، تواجه انتقادات واسعة بأنها "كيان بلا هوية واضحة، أو رقابة مستقلة"، وأنها تفتقر للشفافية والمساءلة الدولية، وهو ما يثير الشكوك حول أهدافها السياسية واللوجستية.
ويخشى مراقبون أن تكون هذه المؤسسة واجهة للهيمنة العسكرية على ملف الإغاثة، بدل أن تكون أداة لتمكين المدنيين ومساعدتهم، في وقت يتم فيه توظيف الغذاء كسلاح في معركة السيطرة والضغط السياسي.
المجتمع الدولي أمام اختبار حاسم
مع استمرار الشهادات الدموية من مراكز التوزيع، وتزايد التحذيرات من انهيار كامل للمنظومة الإنسانية في غزة، تبدو دعوة الـ169 منظمة إغاثة بمثابة ناقوس خطر حاسم للمجتمع الدولي، الذي بات مطالبًا باتخاذ خطوات حقيقية، لا مجرد بيانات قلق.
إن عودة آليات الأمم المتحدة، ورفع الحصار الإسرائيلي عن المساعدات، ووقف استهداف المدنيين، لم تعد مطالب إنسانية فقط، بل شروط دنيا للبقاء في منطقة باتت تُدار على حافة المجاعة وتُحكم بالنار.