بعد الدمار الذي لحق بمدينة رفح الفلسطينية نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة، برز مصطلح جديد 'المدن الإنسانية'.
حيث صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس الاثنين الماضي،انه كلف الجيش إعداد خطة لإنشاء مدينة إنسانية في رفح لتكون مكاناً يتم فيه تجميع سكان قطاع غزة بالكامل.
وتُطرح هذه المدن باعتبارها مبادرة إنسانية لتوفير مناطق آمنة للفلسطينيين، ولكن خلف هذا الخطاب الإنساني تثار أسئلة صعبة تتعلق بالسيادة، والهوية، والحقوق. فهل نحن أمام مشروع لإعادة الإعمار والإنقاذ، أم أننا بصدد محاولة لفرض واقع ديموغرافي جديد قد يرقى إلى التطهير العرقي؟
بيان الخارجية الفلسطينية
أعربت وزارة الخارجية الفلسطينية عن رفضها الكامل لمقترح إسرائيل إنشاء ما يسمى بالمدن الإنسانية داخل قطاع غزة، معتبرة أن هذه الخطوة تأتي ضمن محاولات الاحتلال لإضفاء طابع إنساني زائف على سياساته الاستيطانية والعدوانية.وقالت الخارجية إن هذا الطرح يسعى لتكريس الفصل الجغرافي والسياسي للقطاع، وفرض حلول إنسانية بديلة عن الحلول السياسية القائمة على إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967.
وأوضحت أن ما يسمى بالمدن الإنسانية لا يخدم إلا أهداف إسرائيل في السيطرة على أجزاء واسعة من غزة، وفرض وقائع جديدة على الأرض تحت غطاء المساعدات أو الإغاثة.
وأكدت الوزارة أن أي حلول إنسانية يجب أن تنبع من احترام القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني، وليس من خلال فرض مخططات تهدف لتصفية القضية.
كما دعت المجتمع الدولي إلى عدم التعاطي مع مثل هذه المقترحات، والضغط على إسرائيل لوقف عدوانها وسياساتها التهويدية بحق الفلسطينيين.
وختمت الخارجية بيانها بالتأكيد على أن غزة جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة، وأي محاولة لفصلها أو تغيير هويتها السياسية والجغرافية مرفوضة تماماً.
ما هي "المدن الإنسانية"؟
وفق لتصريحات صحيفة يديعوت احرنوت تهدف هذه المدن إلى استقبال النازحين من قطاع غزة مؤقتًا، في مناطق مجهزة بكافة المرافق الأساسية مثل الإسكان، المدارس، المستشفيات، والبنية التحتية. لكن لم تُعلن تفاصيل دقيقة عن أماكن البناء أو أعداد المستفيدين، ما يفتح الباب أمام التأويل.المشروع بمظهر إنساني وجوهر سياسي
وفق ما تداولته وسائل إعلام عبرية، فإن السلطات الإسرائيلية تدرس إقامة مدن أو مناطق سكنية مؤقتة داخل القطاع، أو بالقرب من حدوده الجنوبية، بهدف توفير مأوى للنازحين من مناطق الحرب.
وتشير التسريبات إلى أن هذه المدن ستشمل وحدات سكنية مسبقة التجهيز وبنى تحتية أساسية، مع رقابة أمنية مشددة.
غير أن الطرح الإسرائيلي، الذي قد يبدو في ظاهره إنسانياً، يواجه رفضاً قاطعاً من الجانب الفلسطيني، الذي يرى فيه مشروعاً سياسياً مقنّعاً يهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في غزة، وتكريس الانقسام الجغرافي والسياسي، بعيداً عن أي حل سياسي عادل
أبعاد جغرافية وأمنية
تحذيرات صدرت أيضاً من خبراء ومحللين سياسيين، اعتبروا أن المشروع يهدف إلى إعادة توزيع السكان داخل القطاع بما يخدم الأجندة الأمنية الإسرائيلية، من خلال دفع المدنيين للابتعاد عن المناطق الشمالية والشرقية، وخلق مناطق آمنة أو معزولة يمكن التحكم بها بسهولة.ويخشى مراقبون من أن تتحول هذه المدن إلى مناطق مغلقة تخضع لإدارة غير فلسطينية، ما يسهم في تفكيك النسيج الجغرافي والسياسي لغزة، ويدعم سيناريوهات طويلة الأمد لإبقاء القطاع في حالة عزل دائم.
أبعاد قانونية
من الجانب القانوني، يؤكد مختصون في القانون الدولي وفق الجارديان البريطانية أن أي تدخل في الأراضي المحتلة من قبل قوة الاحتلال، بما في ذلك إنشاء مدن مؤقتة أو دائمة، يمثل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف الرابعة، التي تحظر إجراء تغييرات ديموغرافية أو إدارية في الأراضي المحتلة بما يخدم مصالح القوة القائمة بالاحتلال.
كما تُعد هذه الخطط التفافاً على حق اللاجئين والنازحين في العودة إلى مناطقهم الأصلية، بما يخالف المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
وبين ما يُطرح كحل إنساني مؤقت وما يُخشى أن يكون مشروعاً سياسياً طويل الأمد، يبقى مصير ما يسمى بـ'المدن الإنسانية' في غزة معلقاً بين الرفض الفلسطيني والتحفظ الدولي. لكن المؤكد أن الفلسطينيين يرون في هذه الخطط محاولة جديدة لإدارة الأزمة لا لحلها، وتهديداً جديداً لوحدة الأرض والشعب والقضية.