شاءت لها الأقدار أن تكون من قصار القامة بمحافظة كفر الشيخ، إذ يبلغ طولها نحو 122 سم، من بين عَشرَة إخوة، لكنها كانت بمثابة الذِراع الأيمن لوالدها وأشقائها الذكور، ويبقى الفخر ملازما لها، كلما تقدمت خطوة في مجال عملها في بيع وشراء قطع غيار الجرارات الزراعية، ذلك العمل الذي يعد شاقًا على بعض الرجال، ويكفيها سعادة أن قذَف الله محبتها في قلوب كل من تعامل معها وعرفها.
إنها 'أمل الزناتي' البالغة من العمر 50 عاما، سيدة أعمال وتاجرة قطع غيارات الجرارات الزراعية، تحولت من شخصية يحكمها الخوف من التعامل مع المجتمع والانطواء على نفسها كونها من قصار القامة، وما ترتب عليه من تنمر على هيئتها كانت تلاقيه دوما منذ طفولتها، إلى شخصية اجتماعية ذاع صيتها في أنحاء محافظتها وبعض المحافظات الأخرى في مصر، بين التجار والصنايعية وكذلك كل من يتعامل معها من الزبائن خاصة والناس عامة.
أمل الزناتي
تقول 'أمل الزناتي': 'لي 10 إخوة بينهم 7 بنات و3 ذكور، أراد الله لي أن أكون الوحيدة من بينهم قصيرة القامة، وذلك بسبب تبرع والدتي خلال حملها بي ببعض الدم لزوجة خالي لظروف مرضية مرت بها وقتئذ، ولم ينصحها الطبيب بالتراجع عن ذلك، فأرجع الأطباء حالتي لهذا السبب، متابعة: 'كبرت ودخلت المدرسة وكان نموي أبطأ من رفاقي بالعمر، ولاقيت مشقة في أيام المدرسة وكنت دائما في حالة خوف من التعامل مع الأطفال خاصة والشارع عامة'.
وأضافت: 'كان الأطفال يتنمرون علي ويلقونني بالطوب والحجارة ويطلقون علي ما لم أحب من كلمات هادمة، كما كانوا يدفعونني ويلقونني أرضا لأنني غريبة عليهم بقصر قامتي، لافتة إلى امتناعها عن المدرسة والخروج للشارع، إلا أن والدتها وإخوتها شجعوها على الاختلاط بالناس وعدم الخوف منهم والثبات رغم التنمر عليها، إلى أن تعودت تدريجيا على الاختلاط بالمجتمع'.
أنهت 'أمل' دراستها وحصلت على دبلوم صنايع، والتحقت في عام 1991 بالعمل بمحل والدها الذي كان يعمل ناظرا زراعيا لمساعدته، ولديه محل يبيع فيه قطع غيارات الجرارات الزراعية، لافتة إلى أنها كانت تعمل خلال الدراسة في المحل لمساعدة والدها وإخوتها الذكور، وكان المحل من حظ شقيقها الأكبر أن يتولاه بعد والده، لكنه قرر السفر إلى السعودية وترك عمله، فكانت وقتها تتولى الحسابات.
وأردفت: 'قلت فرصة إني أثبت نفسي، وتوليت المحل بالكامل، بعد سفر أخويا الذي عاد بعد عدة سنوات، وأصبح تاجرا في الجرارات الزراعية، ويعتمد علي بشكل كبير، نظرا لمعارفي الكثر في المجال خاصة وأنا شخصية اجتماعية'.
أمل
وتضيف: 'تزوجت منذ كان عمري 30 عاما وأتممت نحو 15 عام زواج، لكن لم يرزقني الله بالذرية رغم حملي 5 مرات متتالية، لكن لحكمة يعلمها الله لم يكتمل الحمل أبدا، وكنت أرجو من الله ولدا يكون لي عونا وسندا كما كنت أنا لأبي، متابعة: 'لكن أبناء إخوتي هم بمثابة أبنائي يقدرونني ويعاملونني كأمهم ويستشيرونني ويأخذون بنصيحتي فضلا عن كوني دلوعة أخواتي'.
وتوضح 'أمل' أنها كانت في البداية تسأل كثيرا عن أسماء المعدات كل الصنايعية والتجار وتكتب كل الأسماء والأسعار كي لا تنساها وظلت عاما كاملا إلى أن أصبحت جديرة بالعمل في مجال يعصى على الرجل حسب تعبيرها، إلى جانب أنها خلقت لها اسما كبيرا في عالم تجارة قطع غيار الجرارات الزراعية، حسب قولها.
وتابعت أنها تستطيع التغلب على صعوبات العمل بسهولة وبرفقتها 2 عمال يساعدانها في المحل، وتعاملهما بمحبة وكأنهما ابنيها لأمانتهما وحرصهما على مصلحة العمل.
أمل
وتضيف: تم تكريمي في مؤتمرات كثيرة خاصة بذوي الهمم وقصار القامة، وأصبحت أكثر جرأة، متابعة: 'رغم اني بشتغل من 9 الصبح ل 9 بالليل، لكن بلاقي وقت لبيتي ومنظمة، وكل جمعة بقضيها في بيت عيلتي، وألاقي وقت للمشاركة في الفعاليات الخاصة بقصار القامة وكل ما يخص ذوي الهمم'.
وتشير إلى سعادتها بحب الناس ودعواتهم لها: 'اخواتي بيقولولي لو دعوات الناس ليكي استجيبت هتدخلي الجنة من غير كلام'، وتمنت لو تحصل على شقة تبع الإسكان كانت قدمت عليها في محافظة كفر الشيخ 'بيلا'، والحصول على سيارة مجهزة لتساعدها على الحركة بسهولة، وآخر أمنياتها أن تلتقي بالرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية ويكرمها من بين ذوي الهمم، وأن تظل محبوبة من الناس كما اعتادت، موجهة رسالة للمجتمع بأن العاجز هو من لا يستطيع العمل ولم يستطيع تحقيق ذاته، فالإعاقة ليست في هيئة الجسد وإنما الإعاقة في الارادة.
أمل