يوافق اليوم، 11 من نوفمبر، ذكرى مرور عقدين على وفاة الرئيس الرمز والزعيم الأسطوري ياسر عرفات، المعروف باسم «أبو عمار»، وتأتي هذه الذكرى الجليلة لـ «أبو عمار» على خلفية حملة الإبادة المستمرة التي بدأتها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 7 من أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن خسارة مأساوية تجاوزت 43600 شهيد و102900 جريح، معظمهم من النساء والأطفال، ولا يزال العديد من الشهداء مدفونين تحت الركام وعلى جانبي الطرق، مما يجعل عملية استرجاع جثثهم صعبة للغاية، وفي الوقت نفسه، تجاوز عدد الشهداء في الضفة الغربية، بما فيها القدس المحتلة، منذ بدء العدوان الواسع على غزة في 7 من أكتوبر 2023، أكثر من 780 شهيدًا، بينهم 167 طفلًا.
الذكرى الـ 20 على استشهاد ياسر عرفات
في الحادي عشر من نوفمبر من كل عام، تبقى هذه الذكرى مؤلمة، تذكرنا برحيل قائد خاض نضالاً تحررياً من أجل قضيتنا الوطنية لعشرات السنين، وواجه في سبيلها معارك عسكرية وسياسية لا تعد ولا تحصى، حتى استشهد في عام 2004 بعد حصار وعدوان إسرائيلي استمر لأكثر من ثلاث سنوات على مقره في مدينة رام الله.
لقد كانت مختلف مراحل النضال الوطني منذ بداية الثورة المعاصرة تستفيد من حكمة القائد الشهيد ياسر عرفات وإرادته وصموده أمام جميع التحديات، فقد تمكن من تحويل العديد من الانتكاسات إلى انتصارات خالدة في التاريخ، ستظل الأجيال القادمة تتذكرها لفترة طويلة، وبهذا الشكل، غاب الشهيد ياسر عرفات عن فلسطين بجسده، لكن إرثه النضالي لا يزال متجذراً في قلوب أبناء شعبنا وقيادته.
حياة الرئيس الراحل أبو عمار
وُلد الرئيس الراحل «أبو عمار» في القدس في الرابع من أغسطس عام 1929، واسمه الكامل هو «محمد ياسر» عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، وتلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
درس القائد الراحل في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول في القاهرة، وبدأ منذ صغره في إحياء الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في اتحاد طلبة فلسطين، الذي تولى رئاسته لاحقاً.
كما أسهم مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» في الخمسينيات، وأصبح ناطقاً رسمياً باسم الحركة عام 1968، وفي فبراير 1969، تم انتخابه رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن شغل هذا المنصب كل من أحمد الشقيري ويحيى حمودة.
في عام 1974، ألقى أبو عمار كلمة تمثل الشعب الفلسطيني أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث قال جملته الشهيرة: 'جئتكم حاملاً بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي'.
قاد معركة العدوان الإسرائيلي على لبنان
بصفته قائد عام للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قاد أبو عمار خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وشارك في معارك الصمود خلال الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية حول بيروت لمدة 88 يوماً، والذي انتهى باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة، وعندما سأل الصحفيون ياسر عرفات لحظة مغادرته عبر البحر إلى تونس على متن سفينة يونانية عن وجهته التالية، أجاب: 'أنا ذاهب إلى فلسطين'.
بعد ذلك، أصبح الزعيم ياسر عرفات وقيادة وكادر منظمة التحرير ضيوفاً في تونس، ومن هناك بدأوا في استكمال خطواتهم الحثيثة نحو فلسطين.
وفي الأول من تشرين الأول عام 1985، نجا ياسر عرفات بأعجوبة من غارة إسرائيلية استهدفت منطقة 'حمام الشط' في تونس، مما أسفر عن سقوط العديد من الشهداء والجرحى من الفلسطينيين والتونسيين.
ومع حلول عام 1987، بدأت الأمور تتحسن وتزداد نشاطًا على عدة أصعدة؛ حيث جرى تحقيق المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتنازعة خلال جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني.
وبدأ عرفات يقود حروبًا على جبهات متعددة، فدعم الصمود البطولي لمخيمات الفلسطينيين في لبنان، وأشرف على انتفاضة الحجارة التي اندلعت في فلسطين ضد الاحتلال في عام 1987، كما خاض معارك سياسية على المستوى الدولي لتعزيز الاعتراف بقضية الفلسطينيين وحقهم في تحقيق تطلعاتهم.
أطلق مبادرة السلام الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة
بعد إعلان الاستقلال في الجزائر في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1988، أطلق الراحل في الثالث عشر والرابع عشر من نفس العام مبادرة السلام الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف تحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط، وقد انتقلت الجمعية العامة آنذاك إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأميركية برئاسة رونالد ريغان في السادس عشر من الشهر ذاته.
في العشرين من يناير عام 1996، جرى انتخاب ياسر عرفات رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية في انتخابات عامة، ومنذ ذلك الحين بدأت جهود بناء أسس الدولة الفلسطينية.
بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في عام 2000 بسبب التعنت الإسرائيلي وإصرار ياسر عرفات على الحفاظ على الحقوق الفلسطينية وثوابتها، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر 2000، وقد قامت قوات الاحتلال وحاملات الدبابات بمحاصرة الرئيس عرفات في مقره، متهمة إياه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية أطلق عليها 'السور الواقي'، مما أدى إلى فرض حصار خانق عليه في مساحة ضيقة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة.
استشهاد ياسر عرفات
في عام 2004، تدهورت الحالة الصحية للشهيد ياسر عرفات بسبب المرض، وقرر الأطباء نقله إلى فرنسا لتلقي العلاج، حيث تم إدخاله إلى مستشفى بيرسي العسكري وسط تزايد الأحاديث حول احتمال تعرضه للتسمم بمادة البولونيوم المشع، وظل هناك حتى استشهد فجر الخميس الحادي عشر من ديسمبر.
مضى على رحيل الشهيد ياسر عرفات عقدين من الزمان، لكنه ترك وراءه ميراثاً من النضال والقيم الوطنية، وقدم نموذجاً للقادة المؤسسين، بمن فيهم الرئيس محمود عباس، ليتبعوه.