خبراء: الضغط الدولي وراء تغيير نبرة الرئيس الأمريكي بشأن تهجير الفلسطينيين
بعد محاولاته المستميتة في إعادة توطين الفلسطينيين خارج قطاع غزة، لا يرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضرورة للإسراع في تنفيذ خطته.
وأكد ترامب، يوم الجمعة (7 فبراير 2025)، أنه غير متعجل بشأن مقترحه المتعلق بسيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وإخلائه من سكانه، بهدف تحويله إلى منطقة استثمارية مزدهرة.
وخلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، حيث استقبل رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، سُئل ترامب عن الجدول الزمني لتنفيذ خطته، فأجاب قائلاً: "إننا نعتبر هذا المشروع بمثابة استثمار عقاري في منطقة استراتيجية من العالم". وأضاف الرئيس الجمهوري: "لا يوجد أي داعٍ للعجلة في اتخاذ أي خطوة"، مشددًا على أنه لم يكن يشير إلى نشر قوات أمريكية في المنطقة.
وفي وقت سابق، لم يستبعد ترامب إرسال جنود أمريكيين إلى غزة للسيطرة على القطاع المدمر وإعادة تأهيله، مشيرًا إلى أن "ما نريده هو تحقيق استقرار دائم، وليس مجرد إعادة توطين السكان ثم تهجيرهم مجددًا بعد عقد من الزمن، كما حدث لعقود طويلة". وأضاف: "نريد فقط أن نضمن استقرار الأمور"، في إشارة إلى الوضع في غزة.
وأوضح الرئيس الأمريكي، الذي عاد مؤخرًا إلى البيت الأبيض، أن بلاده ليست مضطرة حاليًا لاستثمار أي موارد مالية في المشروع، مشيرًا إلى أن أطرافًا أخرى ستتولى هذه المهمة، دون أن يحدد من يقصد بذلك.
وفيما يتمسك المجتمع الدولي بحل الدولتين كخيار لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ترفض الحكومة الإسرائيلية هذا الطرح بشدة.
من جهته، أوضح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، أن خطة ترامب بشأن غزة تتضمن إخلاء السكان "بشكل مؤقت" إلى حين إعادة إعمار القطاع.
وقد أثار ترامب موجة من الانتقادات الدولية بعد طرحه مقترح السيطرة الأمريكية على غزة وإعادة توطين سكانه خارجه بشكل دائم، حيث اعتُبر تصريحه بترحيل الفلسطينيين وتحويل القطاع إلى منطقة سياحية فاخرة بمثابة صدمة واسعة النطاق.
وخلال زيارته لجواتيمالا، دافع وزير الخارجية روبيو عن الخطة، مؤكدًا أنها "لم تكن عدائية"، بل تمثل "عرضًا سخيًا" لإعادة إعمار القطاع. وأوضح أن ترامب أبدى "استعدادًا للتدخل من أجل إزالة الركام والتخلص من الذخائر غير المنفجرة"، مضيفًا أنه خلال تلك الفترة لن يكون بإمكان السكان العودة، نظرًا لعمليات إزالة الدمار.
وأكد روبيو أن ترامب يسعى إلى دعم إعادة بناء المنازل والمنشآت التجارية، بحيث يتمكن السكان من العودة بعد انتهاء عمليات الإعمار.
ونشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية مقالًا للكاتب دان بيري، تناول فيه جذور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مشيرًا إلى أن هناك يهودًا رفضوا وجود العرب منذ البداية، كما أن بعض العرب رفضوا وجود اليهود. وأوضح أن الأرض لطالما بدت ضيقة على شعبين مختلفين وعنيدين، دون الحاجة لأن يكون المرء متطرفًا ليتبنى هذا الشعور. ومع ذلك، يرى بيري أن فكرة الطرد الجماعي لم تكن سوى طرح يتبناه من وصفهم بـ"المجانين".
خطة ترامب "غير المكتملة" لتهجير الفلسطينيين
تطرق المقال إلى خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي وصفها بأنها غير مكتملة، والهادفة إلى تهجير نحو مليوني فلسطيني من قطاع غزة. وطرح الكاتب عدة تساؤلات بشأن مصير غزة إذا نُفذت الخطة، مثل: هل ستبقى حركة حماس في القطاع بعد انسحاب إسرائيل؟ وهل سيرسل ترامب قوات أمريكية لمحاربتها؟ وهل هناك إمكانية فعلية لتنفيذ التهجير؟
وأشار الكاتب إلى أن تحليل مقترحات ترامب بشكل معمّق ليس ضروريًا، إذ يرى أن خطته "قضية ميتة"، نظرًا لرفضها من قبل الدول العربية والقيادة الفلسطينية على حد سواء.
انعكاسات خطة ترامب على تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية
رأى محللون أن خطة ترامب للسيطرة على قطاع غزة قد تؤدي إلى عرقلة جهود تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، كما قد تعزز مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة داخل المملكة.
ووفقًا لوكالة "فرانس برس"، فإن اقتراح ترامب، الذي تضمّن إعادة تطوير غزة ونقل سكانها إلى دول أخرى، أثار ردود فعل غاضبة، خصوصًا في العالم العربي.
وفي هذا السياق، أكد جيمس دورسي، الباحث في معهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية، أن سياسات ترامب أغلقت الباب أمام احتمال اعتراف السعودية بإسرائيل، وهو ما كان سيمثل إنجازًا دبلوماسيًا كبيرًا لواشنطن في ظل سعيها لتخفيف التوترات الإقليمية. لكن السعودية، باعتبارها أكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، لا يمكنها تجاهل التداعيات المحتملة على استقرارها الداخلي والإقليمي، خاصة إذا تم تهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن.
ورغم هذه التعقيدات، حرصت السعودية على الحفاظ على علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة، التي تعد شريكها الاستراتيجي لعقود، رغم التوترات التي شابت العلاقة بين البلدين في بعض الفترات.
الرياض بين حسابات الأمن والسياسة
أكد دورسي أن السعودية ليس لديها بدائل عن الولايات المتحدة في المجال الأمني، موضحًا أن الرياض لن تتجه إلى الصين، كما أنها لا تستطيع الاعتماد على روسيا، خاصة في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وقبل اندلاع الحرب في غزة، كانت السعودية قد شاركت في محادثات أولية مع إسرائيل بوساطة أمريكية، لكن هذه المفاوضات توقفت فورًا عقب هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
الرد السعودي على مقترحات ترامب
أثارت تصريحات ترامب، التي أدلى بها خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، جدلًا واسعًا، خاصة بعدما طرح فكرة نقل سكان غزة إلى مصر والأردن، وتحويل القطاع إلى "ملكية أمريكية".
وجاء الرد السعودي سريعًا، إذ أصدرت وزارة الخارجية بيانًا رسميًا بعد أقل من ساعة على تصريحاته، أكدت فيه "رفضها القاطع لأي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه". كما شددت على أن أي تقارب مع إسرائيل لن يتم دون إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
التأثير المحتمل على رؤية السعودية 2030
يرى محللون أن خطة ترامب قد تؤثر سلبًا على مشروع التحول الاقتصادي السعودي، لا سيما أن رؤية المملكة 2030 تعتمد على الاستقرار لجذب الاستثمارات والسياحة.
وأشار الباحث السعودي عزيز الغشيان إلى أن تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن قد يؤدي إلى إضعاف استقرار هاتين الدولتين، مما سينعكس سلبًا على الأمن الإقليمي ويؤثر في النهاية على السعودية نفسها.
وأضاف أن مواقف ترامب ونتنياهو تعقد حسابات المملكة، خاصة مع عدم وجود "شريك حقيقي للسلام" في إسرائيل، في ظل تعنت نتنياهو وسعيه لتحقيق مكاسب دون تقديم تنازلات.
عقبات أمام التطبيع
من جانبها، رأت آنا جاكوبس، الباحثة في معهد الخليج العربي بواشنطن، أن مواقف ترامب ستزيد من زعزعة استقرار المنطقة وتعزز العداء تجاه الولايات المتحدة، مما يجعل عملية تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل أكثر تعقيدًا.
أما أندرياس كريج، الباحث في جامعة كينغز كوليدج بلندن، فأوضح أن السعودية لن تقبل بالتطبيع إذا فرضته واشنطن، لافتًا إلى أن المملكة سبق أن وضعت شروطًا واضحة قبل اندلاع الحرب في غزة، تضمنت ضمانات أمنية أمريكية ودعمًا لبرنامج نووي مدني.
وأكد كريغ أن "السعودية ليست دولة تابعة للولايات المتحدة، ولن تخضع لإملاءات ترامب"، مشيرًا إلى أن الرياض ستظل متمسكة بموقفها التفاوضي ولن تتجاوز خطوطها الحمراء.
أوراق الضغط السعودية
شدد كريج على أن السعودية تمتلك أوراق ضغط مهمة، لا سيما في ملف الطاقة، لكنها لا تبدو مستعدة لاستخدامها في الوقت الحالي.
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية تبقى أهم ورقة تفاوضية بيد المملكة، إذ تستمد السعودية شرعيتها الإقليمية والدولية من موقفها الداعم للفلسطينيين.
وبينما تواجه المملكة ضغوطًا متزايدة، يعتقد مراقبون أن القيادة السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ستعتمد استراتيجية التريث في اتخاذ أي قرارات حاسمة، بهدف تحقيق توازن دقيق بين المصالح الإقليمية والدولية.
وأشار تقرير نشرته مجلة "نيوزويك" إلى أن اقتراح ترامب بشأن غزة قد يكون غطاءً لسياسات الطاقة التي ينتهجها. وفي هذا السياق، ذكرت "آسيا تايمز" أن خطة ترامب ترتبط بالغاز الطبيعي، فيما توقع كاتب في "بلومبرغ" أن تتكشف تقارير تربط بين اهتمام ترامب بغزة ورغبته في استغلال مواردها.
قبل هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، جرى التنسيق بين السلطة الفلسطينية ومصر لتطوير حقل غزة البحري، وفق "رويترز". ويرى بعض الخبراء أن ترامب يسعى للسيطرة على غزة للوصول إلى احتياطيات الغاز فيها، إلا أن آخرين يعتبرون الفكرة "أسوأ السيناريوهات" أو مجرد "تكتيك تفاوضي".
تطالب غزة بحقوقها في حقل بحري يحتوي على تريليون قدم مكعبة من الغاز، تكفي لتزويد الأراضي الفلسطينية بالطاقة لعقد ونصف، لكن تطويره تعثر لعشرين عامًا بسبب الخلافات. ورغم أن هذه الكمية ليست ضخمة مقارنة بالاحتياطات الأمريكية، فإنها قد تُحدث فرقًا كبيرًا لسكان غزة، لكن الاستثمارات الضخمة المطلوبة تبقى عائقًا رئيسيًا.
في سياق آخر، أثار تصريح ترامب حول شراء غزة غضبًا فلسطينيًا، حيث أكد عزت الرشق من "حماس" أن غزة ليست للبيع، فيما وصفت مصر تصريحات نتنياهو حول مسؤوليتها عن حصار غزة بأنها "تضليل متعمد"، مجددة دعمها لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
بدورها، صرحت وزيرة الخارجية الفلسطينية فارسين أغابكيان بأن السلطة تدرس آلية دخولها غزة وسط تصاعد التوترات، بينما اعتبرت أن خطة ترامب "تفقد زخمها". أما نتنياهو، فأشاد بالمقترح، زاعمًا أنه يهدف إلى "تحرير" سكان غزة، مشيرًا إلى أن ترامب عازم على تنفيذ خطته.
من جهتها، أدانت الخارجية المصرية مقترحات إسرائيل بشأن إقامة دولة فلسطينية في السعودية، مؤكدة أنها "تجاوز مرفوض". كما رفضت مصر والأردن بشكل قاطع اقتراح ترامب بإعادة توطين سكان غزة. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس عن إعداد خطة لتسهيل "المغادرة الطوعية" لسكان غزة، وهو ما وصفته القاهرة بأنه "خرق صارخ للقانون الدولي".
أكدت السعودية بدورها دعمها لحقوق الفلسطينيين، رافضةً تصريحات نتنياهو حول التهجير، مشددة على أن السلام الدائم لن يتحقق إلا بحل الدولتين. وتواصل المملكة تأكيد موقفها الداعم للقضية الفلسطينية ورفضها لأي محاولات تصفية لها عبر التهجير أو غيره من المخططات.
ترامب والتراجع التكتيكي عن مخطط تهجير الفلسطينيين
وسط احتجاجات دولية، بدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكأنه تراجع - ولو مؤقتًا - عن تصريحاته بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، لكن محللين يؤكدون أن هذا ليس تخليًا عن الفكرة، بل خطوة تهدئة مؤقتة، في ظل إدراك الإدارة الأمريكية أن التهجير الجماعي يشكل انتهاكًا للقانون الدولي، ويهدد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.
استراتيجية تهدئة أم مناورة سياسية؟
يرى مراقبون أن التراجع الظاهري لترامب ليس أكثر من مناورة سياسية، إذ يعتمد المخطط على استراتيجيات طويلة الأمد مثل خلق بيئة معيشية طاردة في غزة، لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية تحت وطأة الأوضاع الصعبة. كما يُنظر إلى تصريحات ترامب على أنها أداة ضغط في مفاوضاته مع أطراف إقليمية، بهدف تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
المأزق الإسرائيلي والعربي
يشير محللون إلى أن تنفيذ مخطط التهجير قد يؤدي إلى زعزعة استقرار العلاقات العربية-الإسرائيلية، خاصة مع الدول التي وقعت اتفاقيات تطبيع، إذ لا يمكن للأنظمة العربية تبرير استمرار علاقاتها مع إسرائيل في ظل عمليات تهجير قسري للفلسطينيين. كما أن استمرار الضغوط الدولية قد يجبر ترامب على إعادة تقييم موقفه.
مشروع طويل الأمد بغطاء إنساني
يرى خبراء أن ترامب يسعى إلى شرعنة التهجير دوليًا عبر تقديمه كحل إنساني للأزمة في غزة، معتمداً على الضغط على الدول العربية لقبوله. كما يُستخدم المشروع كورقة مساومة، مثل مطالبة السعودية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل وقف تنفيذ التهجير.