في سابقة لم تشهدها العقيدة الأمنية الإسرائيلية منذ عقود، اعترف مسؤول إسرائيلي رفيع بالخسائر الفادحة التي لحقت بأحد أهم المراكز العلمية والعسكرية في إسرائيل، معهد وايزمان للأبحاث النووية، بعد تعرضه لقصف مباشر من القوات الإيرانية في قلب تل أبيب، ضمن تصعيد غير مسبوق في الحرب الخاطفة التي اندلعت بين البلدين.
جاء الاعتراف الصريح على لسان ألون حاين، رئيس المعهد، الذي صرّح لوسائل الإعلام العبرية بأن الخسائر المادية الناجمة عن الضربة الإيرانية تُقدَّر بـ540 مليون دولار، مشيرًا إلى أن "بعض البنية التحتية الحساسة قد تضررت بشكل عميق"، واصفًا الهجوم بأنه "الأعنف من نوعه ضد منشأة علمية إسرائيلية منذ تأسيس الدولة".
معهد وايزمان.. الموقع الذي لا يُقصف
لطالما كان معهد وايزمان، الواقع جنوب تل أبيب، رمزًا للتفوق العلمي الإسرائيلي في الفيزياء النووية والذكاء الاصطناعي والتقنيات العسكرية الدقيقة. كما ارتبط اسمه منذ عقود بتعاون وثيق مع الجيش الإسرائيلي ووحدات الاستخبارات، ووصِف في الأوساط الغربية بـ"عقل إسرائيل النووي".
وقد كانت تل أبيب تعتبر المعهد خارج دائرة أي تهديد مباشر، نظراً لحجمه العلمي وحمايته الدفاعية. إلا أن هذا التصور تحطم فجأة، حين استهدفته إيران بصواريخ دقيقة ضمن ردها على هجوم نطنز واغتيال علمائها النوويين.
إسرائيل بدأت النار: اغتيال العلماء والهجوم على نطنز
بدأت المواجهة عندما شنت إسرائيل هجومًا خاطفًا استهدف منشأة نطنز النووية في عمق إيران، وأعقبه اغتيال 17 عالمًا نوويًا، وفق ما أوردته مصادر متعددة. كما استهدفت العملية النوعية أيضًا 30 قياديًا عسكريًا من كبار ضباط الحرس الثوري الإيراني.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، لم تنسق إسرائيل هذه الضربة مع حلفائها الغربيين، بمن فيهم الولايات المتحدة، وهو ما أثار قلقًا في دوائر القرار الأميركية والأوروبية خشية اندلاع حرب إقليمية أوسع.
طهران ترد.. ووايزمان في مرمى الصواريخ
ردت إيران بعد أيام من الصمت، برسالة إلى مجلس الأمن الدولي تؤكد أن إسرائيل "انتهكت القانون الدولي وارتكبت عدوانًا صريحًا على السيادة الإيرانية"، مؤكدة حقها الكامل في الرد.
وفي اليوم الخامس، بدأت الضربات الإيرانية المركزة تطال العمق الإسرائيلي، وتمكنت طهران من تجاوز منظومات الدفاع الجوي والوصول إلى أهداف محصّنة، من بينها معهد وايزمان، الذي أصيب بصواريخ عالية الدقة.
وقد تسببت الضربة بدمار واسع في البنية التحتية الإلكترونية والمختبرات البحثية الدقيقة، مما اعتبره مراقبون "صفعة مدوية لقدرة الردع الإسرائيلي".
نتنياهو تحت الضغط.. وترامب يدخل خط الأزمة
تزايدت الضغوط السياسية على الحكومة الإسرائيلية، في ظل تراجع ثقة الجمهور بقدرة القيادة على حماية المؤسسات الحساسة، وبدت مؤشرات الأزمة واضحة على خطاب نتنياهو، الذي لم يظهر علنًا لعدة أيام بعد الضربة.
في المقابل، دخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على خط الأزمة، في محاولة لاحتواء التصعيد، خاصة مع مخاوف من تفجر حرب شاملة في الشرق الأوسط، تشمل سوريا ولبنان والعراق.
وأسفرت التحركات الأميركية عن اتفاق هش لوقف إطلاق النار بعد 12 يومًا من القصف المتبادل، لكنه لا يبدو أنه أنهى النزاع، بل فقط جمده إلى حين.
أبعاد استراتيجية: كسر الهيبة أم بداية مرحلة جديدة؟
يُنظر إلى اعتراف إسرائيل بخسائرها في معهد وايزمان كحدث نادر الحدوث في تاريخها، إذ غالبًا ما تلتزم الصمت حيال الهجمات الدقيقة، إلا أن حجم الضرر هذه المرة، وضغط المجتمع العلمي والدولي، جعلا من النفي مستحيلاً.
ويرى خبراء أن ما حدث يشكّل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا في قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل، إذ لم تعد طهران تتردد في قصف أهداف داخل تل أبيب، ما دامت قادرة على فعل ذلك دون ردع حقيقي.