'جاي من بلادي البعيدة.. لا زاد ولا مايه.. وغربتي صاحبتي.. بتحوم حواليا'؛ تُعبر هذه الكلمات التي تغنى بها الفنان الكبير محمد منير، عن الحزن الذي يملئ قلب 'الكينج'، وفي الوقت ذاته تعكس صورة صادقةً لـ'الحنين' الذي مازال يربطه بالمكان الذي ولد فيه، حيث قرى النوبة القديمة بأسوان أو 'البلاد البعيدة' كما وصفها منير.
الحزن والحنين، رفيقا درب 'منير'، منذ أن هاجر وهو صغير مع عائلته قريته بالنوبة القديمة أثناء بناء السد العالي، هما سر نجاح 'الكينج'، وهما أيضًا دافعه إلى إقامة 'فيلا الملك' على ضفاف النيل بأسوان، التي حاول من خلالها إستعادة سنوات طفولته التي حُرم من الاستمتاع بها بسبب غرق قريته بمياه بحيرة ناصر، ولذلك تظل هذه الفيلا أحب الأماكن إلى قلب الكينج. أسرار وحكايات كثيرة تربط الكينج محمد منير، بـ'فيلا الملك' في أسوان، وهذا ما تكشفه 'أهل مصر' في التقرير التالي.
محمد منير، مثل غيره من أبناء أسوان؛ تربطه علاقة خاصة بـ'نهر النيل'، وتزداد هذه الخصوصية وذاك الارتباط عند أبناء النوبة، ولعل السبب في هذا هو حياة النوبيين في قراهم القديمة التي كانوا يقطنوها قبل تهجيرهم أثناء بناء السد العالي؛ فالنوبيون قبل التهجير كانوا يقطنون منازلًا مُشيدةً على ضفاف النيل، تكسو جدرانها زخارفًا ورسومات تجعلها وكأنها لوحة فنية رائعة الجمال، ومعلقة بين النيل والسماء.
تأثر 'الكينج' بنشأته الأولى، فقد ولد وعاش سنوات طفولته في قرى النوبة القديمة على ضفاف النيل، وهناك سمع - مثل غيره من أبناء جيله - القصص والحكايات الأدبية التي كان يرويها عليهم الأجداد، وفي المساء كان يشاهد ويُطرب بجلسات السمر التي يُغني فيها النوبيين أغاني من تراثهم الخاص؛ فتولد بداخل الطفل الصغير حسًا فنيًا مرهفًا، وأصبح يدندن في ليله ونهاره، ويحلم بأن ينقل هذا التراث الفني إلى العالم أجمع.
ومرت السنوات وأصبح الطفل صبيًا، ورأى بعينيه جنة النوبي (القرى النوبية القديمة) تغرق في مياه بحيرة ناصر، بعد بناء السد العالي؛ فاضطر للهجرة مع عائلته، وترك هذا الحدث في نفسه نوعٌ من الشجن الذي لازم صوته منذ ذلك الحين وحتى اليوم.
الغناء والحزن
لم يجد محمد منير، وسيلةً يُعبر بها عن حزنه الذي لازمه بعد ترك قريته في النوبة القديمة سوى الغناء؛ فراح يدندن في كل مكان، ويُطرب آذان أصدقائه في جميع مراحل التعليم، وبالفعل وجد 'الكينج' في الغناء رفيق دربه الذي يستطيع دون غيره التعبير عن المشاعر التي تعتصر نفسه، ولذلك قرر دخول كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، وتخرج في قسم الفوتوغرافيا والسينما والتليفزيون، وواصل 'دندنته' حتى أثناء خدمته في القوات المسلحة؛ فكان يُطرب رفاقه في الجيش بالأغاني النوبية التي حفظها وهو صغير على ضفاف النيل.
انتقل 'الكينج'، عقب التخرج إلى العيش في القاهرة، وكعادته منذ الصبا كان 'يدندن' في كل مكان يذهب إليه، وكان ينتظر الفرصة التي تنقله من مطربٍ هاوٍ إلى فنان محترف، وهو ما تحقق على أيدى شقيقه الأكبر 'فاروق'.
كان فاروق منير، يتمتع بصوتٍ يفوق في جماله صوت شقيقه 'محمد'؛ إلا أنه آثر أن يمنح الفرصة كاملةً لشقيقه الأصغر، فاصطحبه إلى الفنان النوبي أحمد منير، والذي أعجب بصوت 'الكينج' واحساسه الصادق، فأخذ يدربه على إلقاء أغانيه، ومن هنا بدأت رحلة منير في سماء الطرب.
ومرت السنوات وأخذ نجم محمد منير، يلمع أكثر وأكثر، حتى بات معروفًا بـ'صوت مصر'، و'ابن النيل'، و'حدوتة مصرية'، و'بوب مارلي الشرق'، و'الكينج' أو الملك، وهو اللقب الذي عُرف به منذ الصغر؛ لأن والده كان يُعرف بـ'ملك النوبة'، وحين أدى مسرحية 'الملك هو الملك'، وأصدر ألبومًا بنفس الأغنيات التي غناها في تلك المسرحية اشتهر في العالم أجمع بقلب 'الملك'.
ولم تقتلع أضواء الشهرة، محمد منير من جذوره؛ فقد ظل الحنين إلى أسوان شعورًا أصيلًا بداخله، وحين قرر 'الكينج' بناء منزل له في موطنه الذي ولد وترعرع فيه، صمم أن يكون هذا البناء مشيدًا على نفس الطراز الذي كان يعرفه النوبيين في قراهم القديمة قبل التهجير، وبالفعل بنى 'فيلا الملك'.
'فيلا الملك'، هو الاسم الذي اشتهر به منزل محمد منير المُقام في مدينة أسوان، وهو بناءٌ مقام على ضفاف النيل، والسبب في اختيار 'الكينج' لهذا المكان يعود إلى حنينه لحياة الطفولة التي عاشها في منزل عائلته بقرى النوبة القديمة؛ حيث كان منزلهم هناك يُشبه الفيلا الخاصة به.
وتحتل 'فيلا الملك'، مكانةً خاصةً لدىّ منير، وهذا ما صرح به كثيرًا، مؤكدًا: 'أن هذه الفيلا أحب الأماكن إلى قلبه'، كما أن هذه الفيلا تُعد تحفةً معمارية فريدةً من نوعها، وقد ظهر جمال منزل الكينج من خلال كليب 'أنا منك اتعلمت'، والذي تم تصويره بالكامل داخل الفيلا.