تظهر بعض الحالات التي يحصل فيها بعض المسلمين على مال حرام ثم يتوب من يحصل على هذا المال ولكن لا يستطيع رد هذا المال إلى صاحبه الأصلي، وذلك في حالات قد يكون فيها صاحب المال الأصلي قد مات ولا يعرف له ورثة أو سافر ولا يمكن الوصول له أو اختفي لظرف أو لآخر. فماذا نفعل بالمال الحرام إذا لم نستطع رده إلى صاحبه ؟ حول هذا السؤال تقول أمانة الفتوى في دار الإفتاء المصرية إن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أن المسلم إذا أخذ مالا حراما كان عليه أن يصرفه إلى مالكه إن كان معروفا لديه، وعلى قيد الحياة، أو إلى وارثه إن كان قد مات، وإن كان غائبا كان عليه انتظار حضوره وإيصاله إليه، مع زوائده ومنافعه. أما إن كان هذا المال الحرام لمالك غير معين، ووقع اليأس من التعرف على ذاته، ولا يدرى أمات عن وارث أم لا، كان على حائز هذا المال الحرام في هذه الحال التصدق به؛ كإنفاقه في بناء المساجد والقناطر والمستشفيات.
لكن مع ذلك فقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز التصدق بالمال الحرام؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. وقد استدل جمهرة الفقهاء على ما قالوا من التصدق بالمال الحرام إذا لم يوجد مالكه أو وارثه بخبر الشاة المصلية التي أمر الرسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالتصدق بها بعد أن قدمت إليه فكلمته بأنها حرام؛ إذ قال صلى الله عليه واله وسلم: ( أطعموها الأسارى) ، وكذلك أُثر عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنه اشترى جاريةً فلم يظفر بمالكها ليعطيه ثمنها، فطلبه كثيرًا، فلم يظفر به، فتصدق بثمنها، واستدلوا أيضًا بالقياس فقالوا: إن هذا المالَ مُردَّدٌ بين أن يضيع وبين أن يُصرفَ إلى خيرٍ إذ وقع اليأسُ من مَالِكه، وبالضرورة يُعلَم أن صرفه إلى خيرٍ أولى من رميه؛ لأن رميه لا يأتي بفائدةٍ، أما إعطاؤه للفقير أو لجهةٍ خيريةٍ ففيه الفائدة بالانتفاع به، وفيه انتفاعُ مالكه بالأجرِ ولو كان بغير اختياره