محمد محفوظ يكتب: لقائي مع الرئيس

محمد محفوظ
محمد محفوظ

منذ ما يقرب من أربعة عشر عامًا، وبالتحديد في مركز الإنتاج الإعلامي لقناة ART "عين" بمدينة جدة، تم استدعائي على وجه السرعة لمكتب الإعلامي الكبير كامل عبدالفتاح، مدير البرامج والإعداد آنذاك، الذي أبلغني بأنه قد تم ترشيحي لعمل لقاءٍ تلفزيوني مع الرئيس السوداني الأسبق المشير عبد الرحمن سوار الذهب، رحمة الله عليه، وأخذ يحكي لي عن عظمة الرئيس سوار الذهب، الذي كان أول رئيسٍ عربي يرفض التمديد لفترته الانتقالية، وعُرف عنه الزهد والتواضع والتدين، وبعد تخليه عن السلطة تفرغ للعمل التطوعي والدعوي، حتى صار أمينًا عامًا لمنظمة الدعوة الإسلامية.

ثم بدأت أقرأ بنفسي كثيرًا عن سوار الذهب حتى جاء موعد اللقاء الذي كان على هامش مؤتمر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعقد لنصرة النبي محمد -صلىٰ الله عليه وسلم- إبان ما نشرته إحدى الصحف الدنماركية من رسوم كاريكاتيرية مسيئة، وصفت النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه إرهابي -لا سمح الله-.

فلن أنسى نظرة فخامة الرئيس سوار الذهب، وكان حوله مجموعة من الأمراء والمسئولين حينما تحدثت معه قائلًا: ألا يستحق النبي محمد -عليه السلام- أن نتحدث عنه من خلال هذه الشاشة المتواضعة؟!

وهنا وقف الرئيس ورأيت في عينيه نظرة تقول "كلنا فداك يا رسول الله"، نظرة تحمل الهيبة والوقار لم أرَها طيلة حياتي في أعين أحد ممن رأيتهم قبله، فأخذت أجري الحوار وأنا مستمع ومستمتع بكلام الرئيس سوار الذهب، وهو يتحدث عن صفات نبي السلام وعن سماحة الدين الإسلامي العظيم، وأن هذه الانتفاضة العفوية لكافة الشعوب الإسلامية في كافة دول العالم كلها تؤكد أن هذه الأمة ما زالت بحيوية، ويمكن أن تثبت للعالم مدى حضارة هذا الإسلام ومدى حبه للسلام وعدم تعارضه مع الحضارات الحديثة.

وبخصوص هذه الرسوم الدنماركية المسيئة للنبي -عليه السلام- فهي ليست حرية بل هي الفوضى نفسها، ويجب أن يكون هناك قانون يؤكد على احترام مقدسات الأديان، وأن للحرية حدودا، فلا يمكن أن تطلق حرية التعبير لتسيء للآخرين.

وقال أيضًا إن رسالة النبي ستبقى أمد الدهر رغم أنف الكارهين، ومهما حاول الحاقدون التشكيك فيها، فقال لي فخامة الرئيس سوار الذهب جملة لن أنساها، حيث قال: تأكد يا عزيزي أن تلك الهجمات على نبي الرحمة هي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وسيأتي في السنوات القادمة هجمات أكثر شراسة، وسيأتي مجددًا من يهاجم الإسلام ونبيه الكريم.

وها نحن وبعد عقد ونصف من الزمان يعود الرئيس الفرنسي ماكرون، في تصريحات صحفية تدلل على فاشيته، إن فرنسا لن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للإسلام ونبيه الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-، وتم بالفعل نشر صور ورسوم مسيئة للنبي محمد -عليه الصلاة والسلام- على واجهات بعض المباني في فرنسا.

فحقًا عزيزي لم أندهش من تصريحات الرئيس الفرنسي؛ فقد تعرض النبي -عليه السلام- لكل أنواع الافتراءات في بداية بعثته ومحاولات النيل من عرضه وشرفه، فقد نُعِت بـ”المجنون” و“الساحر” وتعرض لجميع أنواع العذاب والمضايقة، ورغم هذا، وبعد أربعة عشر قرنًا من الزمن، استشهد الغرب قبل الشرق بأخلاقه وعبقريته -صلى الله عليه وسلم-.

فأنا هنا لن أرد على مكر "ماكرون"، ولكن دعني أجعل مَن هم مِن بني جلدته ولونه أنفسهم يردون عليه، وهنا أشير إلى بعض الفلاسفة والمفكرين والمستشرقين الفرنسيين الذين شهدوا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه أعظم الشخصيات عبر التاريخ، فها هو المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون، (1841 – 1921) يجزم: :وإذا ما قِيسَتْ قيمة الرجال بجليل أعمالهم كان محمد -صلى الله عليه وسلم- أعظم مَنْ عَرَفهم التاريخ". ويقول أيضًا الفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو "أن العالم لم ير حتى اليوم رجلًا استطاع أن يحول العقول والقلوب من عبادة الأصنام إلى عبادة الإله الواحد إلا “محمدًا”، ولو لم يكن قد بدأ حياته صادقًا أمينًا ما صدقه أقرب الناس إليه".

أما المفكر الفرنسي لامارتين، فيقول: "إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أي شخص من عظماء التاريخ الحديث بنبي الإسلام في عبقريته؟" وغيرهم كثر.

وسأكتفي عزيزي بما ذكرته، فقد أحتاج لمجلدات ومجلدات لكي أبرز ما قاله الغرب قبل الشرق عن نبينا العبقري محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلا تندهش عندما تجد حاقدًا على هذا الدين الحنيف الذي يدعو للسلام، الذي ينتشر بسرعة النار في الهشيم في كل ربوع الدنيا، مما يبدو أنه قد أزعج ماكرون؛ ففرنسا نفسها تستحوذ على الحصة الأكبر من المسلمين في القارة العجوز، إذ يبلغ تعدادهم وفق آخر الإحصائيات الحديثة قرابة الخمسة ملايين نسمة، وهم في تزايد مستمر ليس فقط في فرنسا بل في مختلف أنحاء العالم.

ولعلِّي أبشرك بأن إحدى الدراسات الأمريكية قد ذكرت أن الإسلام سيكون الدين الأسرع نموًّا في العالم خلال الأربعة عقود المقبلة، حيث أشارت الدراسة التي أجراها مركز “بيو” الأمريكي إلى أنه بحلول عام 2050 سيرتفع عدد المسلمين حول العالم من 1,6 مليار شخص إلى 2,7 مليار.

فمثل هذه الهجمات لا تضعف الإسلام ولا تكسر شوكته بل ستقويه وتعظم من شأنه وشأن المسلمين، وستجعلنا جميعًا نستيقظ ونخرج من هذا السبات العميق الذي بسببه يندهش العالم أجمع بمختلف ألوانه وأعرق شعوبه ليتساءل: كيف لدينٍ أن ينتشر بهذه السرعة رغم تقصير الكثيرين ممن يدينون به في حقه؟ وهنا أختم مقالي بما قاله لي الرئيس السوداني سوار الذهب -رحمة الله عليه- إن الهجمات مستمرة وسيأتي في الأعوام القادمة هجمات متتابعة أكثر شراسة على دين الإسلام ونبيه الكريم، ولكن سيبقى الإسلام بخير، لأن تحية الإسلام هي السلام، ونبيه نبي الرحمة هو داعي السلام.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً