قد يكون من الصعب أن ننتهج حياداً زائفاً، في استشراف مستقبل العلاقات العربية الأمريكية، في ظل ولاية الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، بعد مساحة الدفء التي منحها غريمه، المنتهية ولايته دونالد ترامب لتلك الأنظمة، بيد أن ما يُصْطَلَح عليه استراتيجياً ثوابت السياسة الأمريكية باعتبارها دولة مؤسسات، لها مصالح في المنطقة لا تحيد عنها، قد يبعث على التفاؤل، أضف إلى ذلك أن كثير من المراقبين، لا يعول على ما أطلقه جوبايدن من تصريحات عدائية لبعض الأنظمة العربية، بل يعتبرونها فقط من قبيل الرعايا الانتخابية.
بين معسكرين كلاهما لا يغازل إلا أحلامه، يرى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ومن على شاكلتهم من السلفيين المتشددين والدواعش، أن رئاسة جوبايدن ستساعد تيار الإخوان المحظور في العودة لبؤرة الصراع السياسي في مصر، وسيدعم حركة النهضة الإسلامية في تونس، و "حكومة الوفاق" في الانتصار على الجيش الوطني الليبي، وسيقدم دعم أوسع للميليشيات المتطرفة في سوريا، باعتبارهم "ثواراً شرعيين"، أما في لبنان ستسمح بتمكين "حزب الله" ، ومن ثم مساندة طهران في إنجاز الاتفاق النووي، مع تقويض دور دول التحالف في اليمن ..إلخ.
ولا يختلف ثاني المعسكرين عن نقيضه في فرط التفاؤل، ومحاولة طي صفحات من المواقف الأمريكية العربية لا تزال معلقة، إذ يتعمد الساسة والمقربون من الأنظمة العربية تصوير هذا القادم العنيد إلى البيت الأبيض على أنه رئيس مثالي -حمل وديع- لا يقصد بكل ما ساقه من تصريحات معادية للأنظمة العربية، منها على سبيل المثال: عقوبات ينتموي فرضها على المملكة السعودية سوى دغدغة مشاعر الناخب الأمريكي وكسب المعركة، مستبشرين بصفقات التطبيع وأجندة ترامب لحسم الصراع العربي الإسرائيلي، وحتمية استكمال جوبايدن لنفس النهج- صفقة القرن- في حل القضية الفلسطينية، ليس ذلك فحسب، بل رفعوا عنه كل خطايا إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في تحالفه مع الإسلاميين، ودعم حركات الربيع العربي التي عصفت باستقرار المنطقة، من منطلق أن ذلك الدبلوماسي العجوز، السيناتور المحنك الذي قاد لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لسنوات طويلة قبل أن ينضم لإدارة أوباما، كان حليفاً للأنظمة العربية، متفهما لسياسات حكامها آنذاك.
في بداية السنة الحالية كتب جوبايدن في نشرة فورين أفيرز، أن مصداقية وتأثير الولايات المتحدة في العالم تراجعا منذ أن غادر الرئيس باراك أوباما السلطة، ووعد بأن يعمل لتقود أميركا مجدداً العالم .
غير أن هذا العالم تغير كثيرا بين 2011 و2020، فكثير من التحالفات قد تشكلت في المنطقة، وكثير من الأنظمة العربية أصبح أقوى في مواجهة الإرهاب، كما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استطاع تغيير كثير من قواعد اللعبة
-سياسات أمريكا الخارجية- حتما سيواصلها بايدن، خاصة على الصعيد الاقتصادي، بيد أن الأخير لن يدخر جهداً في أن يضع بصمته الواضحة في ملف الحريات وحقوق الإنسان، ليثبت للعالم أن الولايات المتحدة الأمريكية، لم تحد عن الديمقراطية التي وصمها ترامب بالتزوير قبل أن يرحل.
وبرغم كون كلا المعسكرين المتصارعين مفرطين في التفاؤل ، كل على شاكلته، إلا أن السياسة لا تعرف المستحيل ولا يمكن التنبؤ القطعي بمساراتها المستقبلية على نحو يتسم بالعاطفية .