يأتي هذا العيد بدون الفنان التشكيلي الكبير الأستاذ إبراهيم مقلد، حيث رحل عن عالمنا منذ وقت قريب داعياً الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته، فكثيراً ما جلست معه وتبادلنا أطراف الحديث في الفن وخاصة الفنان مايكل أنجلو، صاحب منحوتة النبي موسى صاحب مقولة "انطق يا موسى" بعد أن نحته بطريقة شعر فيها بفنه الحقيقي، وإعجابه بما نحت.
والفنان الأستاذ إبراهيم مقلد لم يترك لنا تراثاً فنياً قدمه للفن والفنانين والعالم خارج مصر وداخلها فحسب، بل ترك لنا أعمالاً أدبية رفيعة المستوى، منها هذه الرواية القصيرة التي بين أيدينا الآن وهي "الحرامية"، والتي تركت أثراً كبيراً عند من قرأها وتأثر بما دونه هذا الفنان بريشته الأدبية، فقد عزف في هذه المجموعة على الحرامية والمجرمين الذين سرقوا الجميع هنا وهناك، حتى الأعضاء البشرية سرقوها وتاجروا فيها بسبب جهل البعض من الناس واحتياجهم للمال، هذه الرواية القصيرة للفنان الأستاذ إبراهيم مقلد لم يرها بل توفاه الله بعد أن انتهى منها، وقد تكفلت أسرته على الفور بإخراج هذا العمل للنور فهو زوج الكاتبة والمبدعة الدكتورة سعدية العادلي.
ويروي لنا في مقدمة هذا العمل الذي كتبه قبل أن يرحل إلى خالقه وقبل طباعة العمل نفسه أنه ومنذ صدور كتابه الأول "بيت العقارب" الذي سجل فيه بعض الذكريات من خلال قصص قصيرة معظمها واقعي إن لم يكن كلها، ومروراً بكتابه الثاني "العودة" وانتهاء بهذا الكتاب" وهو يقوم بتسجيل سلوكيات الناس من حوله سواء أكانت الإيجابية أم السلبية، ولم يقم بتسجيل السلوكيات للبعض هنا في مصر فحسب بل أيضاً سلوكيات الناس خارج مصر، فقد عاش فترة من الزمان معاراً في دولة الإمارات، وجاء كتاب "الحرامية" ليدون فيه معظم تلك السلوكيات والتي جمعها من خبرته في هذه الحياة، خاصة أنه صادف جمعاً من معظم بلاد العالم في أثناء غربته هناك.
ولكن الرجل أقر في المقدمة بأنه لم يسجل هنا في هذا الكتاب إلا سلوكيات المصريين، دون أن يتناول سلوكيات الآخر المتمثل في الدولة التي عاش فيها حتى لا يقع في حرج سياسي هو في غنى عنه خاصة وأن هذه البلاد تربطنا بها روابط متينة وعلاقات متميزة واحترام متبادل. تناول الفنان في هذا العمل وخاصة في الفصل الأول قصة رجل اضطر إلى بيع كليته وذلك بسبب عمليات نصب عديدة لاحقته وأفقدته كل ما يملك فلم يجد بداً من بيع كليته ، وتظل الرواية في هذا السياق عن طريق النصب والتضليل. ولكنه في الوقت نفسه يعلي من شأن الأخلاق ويؤكد أن كل مهنة لها رجالها الشرفاء نحو مهنة الطب ومهنة المحاماة.
وكان الهدف من هذا الكتاب هو إظهار بعض الجوانب السلبية لدى الشخصية المصرية، محاولة منه لكي يتعود الشباب على الصدق في القول واليقظة لما قد يحدث لهم في المستقبل من تضليل وظلم.. رحم الله الفنان المصري الكبير الأستاذ إبراهيم مقلد.