لم يشأ شهر رمضان أن يمضي دون أن يعيد لنا الأمل والثقة في أنفسنا وفي حقائق التاريخ والجغرافيا التي تؤكد فكرة لا سبيل للالتفاف عليها، وهى أن القوة الغاشمة والتآمر لا يمكن لهما مهما اجتمعا أو تآلفا أن يهزما الحق القابع في ضمائر الشعوب.
إن ما يجري الآن في القدس العربية المحتلة يؤكد بما لا سبيل لدحضه عمق الأزمة التاريخية التي تعيشها إسرائيل، فهذا الكيان العدواني الغريب عن الأرض التي اغتصبها، مهما حاول أن يٌظهر انتصارات زائفة بتطبيعه مع دول وأشباه دول وقبائل تبعد عنه آلاف الكيلومترات، ومهما اشترى وجوها شائهة تختفي خلف قناع الفن والثقافة؛ إلا أنه عاجز حتى عن التطبيع مع السكان الماسكين على الجمر.. جمر يشتعل في قلب إسرائيل ويلهب يهودها للاختباء أسفل البنايات كلما سمعوا صفارات الإنذار تدوي في أذانهم التي صمت عن سماع الحقيقة التي اعترف بها مؤرخين يهود في جامعات عبرية؛ بأنه لا يوجد دليل على أن إسرائيل تستطيع الحياة بنفس شكلها الحالي طويلا، بينما هناك أدلة لا تنتهي على أن إسرائيل تعيش وفي قلبها سر فنائها.
لم يكن من المصادفة أن تشتعل القدس وتنتفض الضفة الغربية وغزة، وتتألم شعوب العواصم العربية بعضها في صمت المغلوب على أمره، وبعضها سمحت له الحكومات بالخروج للشوارع، بعد أن لجأت محكمة إسرائيلية في حسم قضية إخلاء عائلات فلسطينية من منازل تقيم بها في حي "الشيخ جراح" بالقدس العربية المحتلة، هذه العائلات رفضت ملايين الدولارات لقاء منازلهم، ولقنوا الإدارة الأمريكية الخائبة والراحلة في عهد الرئيس المغفل دونالد ترامب درسا وصهره جاريد كوشنر الذي تعامل مع القضية الفلسطينية على أنها قضية عقارية تحل مقابل المال.
كان تصريح رئيس وزراء إسرائيل؛ كاشفا للحسرة التي تأكل قلب كل مسؤول في إسرائيل وهو يجد أطفال لا تزيد أعمارهم عن 8 سنوات يرمون جنود الجيش الإسرائيلي في الأزقة الضيقة في القدس بالحجارة.. وقال رئيس وزراء إسرائيل "ما يحدث في القدس يحدث منذ مئات السنين"، وهو تصريح غريب وغير مفهوم، فمنذ مئات السنين لم يكن اليهود في القدس، ولكن في كل الأحوال فقد تنجح آلة الجيش الإسرائيلي في نهاية المطاف في الاستيلاء على بضع منازل في حي الشيخ جراح، ولكن ما تأكد هو أن إسرائيل كيان هش سوف يتعرض لهزيمة عسكرية مع أول عمل تكتيكي جاد يقوم به الرافضون لهذا الكيان.
كما أظهرت تلك الانتفاضات عجز إسرائيل وقبتها الحديدية عن أن تحمي نفسها من عشرات الصواريخ والبالونات الحارقة التي أطلقها الفلسطينيون تجاه الجيش الإسرائيلي، وأجبرت جنوده على الاختباء في الخنادق؛ تصديقا لقوله تعالى: "فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً . ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا".