تجاوز الدكتور محمد أبو الغار رائد أطفال الأنابيب في الشرق الأوسط وواحد من أشهر أطباء النساء والتوليد في العالم، محنة المرضى بعزيمة وإرادة قوية، ففي لحظة المرض تقاطرت الكتابات عنه من كبار الكتاب والمفكرين وحفلت المنتديات بمئات الرسائل تتمنى له الشفاء، واستجاب رب الأرض والسموات، فتجاوز التجربة الصعبة وعاد يمارس حياته بكل همة ونشاط، وأصبح بحمد الله حاضرا بقوة في المشهد الثقافي وفاعلا في مجال نبوغه الطبي، كعلم من أعلام المهنة ليس في مصر فحسب، بل على مستوى العالم.
إن الدكتور أبو الغار هو اسم له تاريخ في العطاء، وشخصيته واضحة كما الشمس في رابعة النهار، لا تعرف المجاملات في الحقائق، لكنه مدرسة في جبر الخواطر وتقديم المساندة للغير، رمز مصري كبير يعمل على مدى ستة عقود بكل الإخلاص والنشاط، له بصمة في طب الأطفال، فعلى يديه جرت البسمة على شفاه زوجات تعثرن في الإنجاب، بعد أن كان سببا في تحقيق أغلى أمنية لأنثى وهي الإنجاب لتصبح أما في عدد من الحالات يغضب منه البعض بسبب صدمة الحقيقة، لكنه كان يعامل الضمير المهني الذي يلتزم بالصدق.
أتذكر ذات مرة في عام ٢٠١٨م، عندما اتصل بي من المملكة المتحدة وهو في غاية الفخر والسعادة قبل يوم من تكريم الجمعية الطبية الملكية البريطانية له، باعتباره رائد أطفال الأنابيب فى الشرق الأوسط وجرى تنظيم احتفال كبير أقيم في العاصمة البريطانية لندن بحضور نخبة من أشهر الأطباء فى بريطانيا ومنحه قلادة الجمعية تقديراً لإسهاماته العلمية والتي ساعدت المرأة على الإنجاب وتميز الأبحاث العلمية والتى تجاوزت مائتي بحث فى أهم الدوريات العلمية، وتسلم يومها الدكتور أبو الغار القلادة بالزي الرسمي للجمعية الملكية من الدكتورة ليزلي ريجان رئيسة الجمعية بحضور جميع أعضاء مجلس الإدارة.
كما ذكر أنه يفتخر بتكريم مصر له بمنحه جائزتين الأولى فى عام 2000 ، وهى جائزة التفوق للبحوث الطبية وجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الطبية عام 2016 .
وحرصت الجمعية على أن تكون الطبيبة زوجته و رفيقة دربه طوال حياته العلمية و العملية وكريمتاهما على رأس الحضور في هذا الاحتفال.
كما شاركه الأحفاد الأربعة وقال إنهم سر السعادة في هذا التكريم، خصوصا وأن القلادة لا تمنح بصفة دورية وإنما تختار الجمعية عالماً عن مجمل إنجازاته لتكريمه.
في كل مرة كنت أطلبه على الهاتف، يجيب مهما كانت الشواغل، ريثما في بعض الأحيان حين لا يرد، يعاود الاتصال بي أن يفرغ من شواغله و يكون صوته على التليفون مرحبا.
تعرفت عليه منذ سنوات و زرته لمرة وحيدة في منزله أمام نادي الصيد لإجراء حوار صحفي عن أحداث ثورة يناير 2011، الدكتور محمد أبو الغار قلب كبير و إنسان راق، و ذات يوم سألته من باب الفضول عن ماركة سيارته الخاصة، فقال سيارتي ماركة بيجو، يومها قلت له ما السر في عدم اقتناء سيارة من الفئات الشهيرة غالية الثمن والقيمة؟!
يومها أجاب قائلا أنا أستاذ في كلية الطب جامعة القاهرة، وهناك المئات من أعضاء هيئة التدريس ربما ليست لديهم سيارات، كما أنني أتحرك في شوارع القاهرة و أشاهد منظر المواطنين وهم يتزاحمون في وسائل النقل العامة، فلماذا أبالغ في المظاهر، كما أن سيارتي وغيرها من السيارات تؤدي نفس المهمة التي توديها السيارات غالية الثمنً.
كل من تردد على عيادة الدكتور أبو الغار يعرف أنه طبيب إنسان، يحدد ساعات العمل وينهي مواعيد عمله في الخامسة أو السادسة مساء، في حين لو أراد مواصلة العمل واستقبال الحالات ربما تمتد ساعات العمل حتى الصباح، ويحرص على أن تكون قيمة الكشف معتدلة مقارنة بغيره من الأطباء الأقل علما وخبرة وتاريخاًً.
في موقف آخر روى لي أنه اعتذر مرات عدة عن منصب وزير الصحة، وقال مهنتي كطبيب ألتزم بها، و هذا أمر ربما يتعارض مع التزامات المنصب كوزير، ولهذا اعتذرت عن المنصب، ومع هذا انغمس في العمل السياسي وترأس حزبا بعد ثورة يناير ومن داخلي كنت أتمنى ألا يفعل، فالسياسة ليست الأرض التي تناسبه، وإنما المعمل والمختبر والبحوث وعلاج المرضى و مواساتهم، تلكم هي البيئة التي يزرع فيها ويحسن الحصاد، لكنه رجل وعالم وصاحب رؤية ومثقف كبير، أثرى المكتبة بإسهامات مهمة تبقى خالدة و شاهدة على تنوع ثقافته وعلمه الغزير.
أتمنى أن تكون كلمات المقال معبرة عن حالة الحب التي يتمتع بها عند القاعدة العريضة من المواطنين، فهو لم يطلب يوما ما أي مجد دنيوي أو مساندة انتخابية بقدر ما كان يسعى من أجل رحابة المشهد.
و من المعلوم أن اهتماماته متنوعة، يتجول بين المعارض الفنية ويكتب في التاريخ المصري بعمق وبخبرة المؤرخ، يمتاز بالتواضع في معاملاته، فتحية من القلب لهذا العالم النحرير.