تحيرت كثيراً في صياغة عنوان يناسب مقالتي فما بين الحديث عن العُرف النسوي أم العلماني، غلب على ظني أن النساء لم يكن بينهن هذا التجريم أو التشدد في الوقوف أمام الحِل والمباح الشرعي، وقد قوي ظني في هذا أن أجد كثير من المدافعين عن هذا الحق نساء متعلمات فضليات لسن بخريجات الدبلوم المتوسط كي لا يغضب ذلك عضو المجلس القومي للمرأة سابقاً - حقوق الإنسان حالياً-، فبات اليقين أنه مجرم ومحرم عند أتباع العلمانية الجديدة فكان الأفضل أن يكون الرد عليهم.
العُرف العلماني واحد من المتناقضات التي باتت تفرض على الناس قناعات المضطربين والمشوشين عقلياً والمدفوعين مادياً، ما بين المطالبين بإلغاء أحكام القضاء بزعم أنها لا تناسب مدنية الدولة وترسخ لتدينها، وأخرى تدعي أن القرآن حرم الزواج المتعدد بنص القرآن ذاته، وثالثة تجرم زي إمرأة أخرى لعدم تشابهه مع ما ترتديه وقناعتها، وذاهبة إلى أن التراث غير منصف لعدم عدالة توزيع مائدة الطعام.
ومع تزايد غضب العلمانيين من التشريعات الإسلامية انسلخ بعض المنتسبين لعمامة التدين من الآراء القديمة جرياً على العُرف المتعلمن فأبيح ترقيع العذرية في قول وأجيز للنساء أن يخرجن عن طاعة أزواجهن وأن يتحررن من أعمال الفطرة والزوجية لعدم تناسبها مع الموجة التي أراها أخطر من تلك التي انتفض لها شيخ الأزهر الشريف مؤخراً مع كامل احترامي وتقديري لشخصه.
وبالعودة مرة أخرى لمحاولة تجريم الحلال والنص على حرمته في رسالة داعية التجرد الفقهي، وصرفها للدلالة الواضحة للآيات وادعائها أن الواقعة لليتامى وأن تلك المسألة خيانة، وأنها من امتلكت تفسير النزول، فإن الكارثة تعود إلى تصريحات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب التي فتحت باجتهاده الباب أمام هؤلاء العابثين بقدسية النص القرآني الذي في حقيقته لم يكن ضابطاً لقصر الزيجة الواحدة كما صرح، فالمسألة متروكة من الخالق لمخلوقه لامتحان دنيوي وطبيعة شاء من شاء وأبى من أبى ستظل لا تعرف المساواة بين جنسين خلقا للتكامل لا للتساوي، وما ورد في تفسير قوله تعالى:"وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا"، قد جاء بلسان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:" هي اليتيمة تكون في حِجر ولِّيها، فيرغب في مالها وجمالها، ويريد أن ينكحها بأدنى من سُنة صداقها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما سواهُنَّ من النساء"، وذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره: "إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة، وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه.
واحتار عقلي في تلك الوصاية التي تطالب تكبيل الرجل وإظهار رحمتها بالمرأة وأنا أنظر إلى قول الحق تبارك وتعالى:" وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا"، فالتأكيد على عدم الميل الكامل ورد في الآيات برهان على أن طبيعة البشر لا تعرف العدل المطلق الذي هو أمر يرتبط بالكمال، لذا فإن بعض الميل جائز شرعاً ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء عن أم المؤمنين عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ، ثم يقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك " أي القلب ".
وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط"، فعن أي تجريم أو تحريم يتحدث هؤلاء ممن رقت قلوبهم على النساء فجأة؟!، ألم يجعل الله لعباده في الدنيا امتحاناً واختباراً نتائجه في الآخرة؟؟، لماذا يصادر هؤلاء على أفعال الرجال تارة بزعم إصلاحها والخشية عليها وأفعال النساء أخرى بزعم أنها تخالف أفكارهم المزعومة في قاموس الحرية، ولو فرضية أن استئذان الزوجة شرط فهل لكم في بيان مقصد النبي حين قال: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة"، فهل ستروجون لحق الأولى في طلاق الثانية أو تغليب الثانية على الأولى.
ومن حديث المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن فاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها….. وإني لست أحرم حلالاً ولا أحل حراماً، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله أبداً"، فلم يكن اعتراض النبي على الزواج بأخرى من باب الرفض المطلق لمسألة الزواج الثاني ولم يحرمه بل ارجع ذلك لعلة أوضحها النبي أن تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله، ولم يتطرق الأمر لذم إمرأة أرادها علي لنفسه وهو من امتلك سيدة اجتمعت فيها خصال لو وزنت بهن سيدات الدنيا لرجحت كفتها، فهل توقف أرباب التعدد المشروط عن إدعاءاتهم، وأن يتركن الوصاية على النساء ورغبتهن عن الترويج لمحرم شرعي وإثم كبير واعتراض على حكمة إلهية ينبغي التسليم لها كما يقول تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ".
أعود وأكرر جعل الله تبارك وتعالى للإنسان أن يحيا كيفما شاء بل أجزل له فيما أعظم من الارتباط بمثنى أو رباع، فكان له الحق في الكفر والشرك ولله الحق في عقابه أو إمهاله أو رحمته، وكان للإنسان أن يسرق أو يزن أو يقتل دون وصاية أو ولاية ولله في تأخير أو تعجيل عقابه شأن. سرحت بمخيتلتي للوراء قبل ١٤ قرناً من الزمان وقد آخى النبي بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف، وكيف سيكون حال هؤلاء وسعد يخير أخاه في نصف ما يملك من مال وزوج، هل سيكون للفيمنست والنسويين والعلمانيين وأشباه الذكور فتواهم المطالبة بإعدامه لأنه تخلى عن حقهم في الاختيار أو القبول أو الرفض؟، كيف بهم وهم من تغنوا بعلاقات غير مشروعة في أفلام ودراما وقد حرموا شرع الله ومارسوا وصايتهم وهم يجدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه جابر بن عبدالله: "اتَّقوا اللَّهَ في النِّساءِ، فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ اللَّهِ، واستحلَلتُمْ فروجَهُنَّ بِكَلمةِ اللَّهِ، وإنَّ لَكُم علَيهنَّ أن لا يوطِئنَ فُرشَكُم، أحدًا تَكْرهونَهُ، فإن فعلنَ فاضربوهنَّ ضربًا غيرَ مُبرِّحٍ، ولَهُنَّ علَيكُم رزقُهُنَّ وَكِسوتُهُنَّ بالمعروفِ"، ليجزمن بأن الضرب غير المبرح باستخدام سواك أو فرشاة أسنان.
كيف لنا ونحن في مجتمع أضحى يدعي انتفاضته لحقوق المرأة أن يحرض على أخرى طلاقاً وتشويهاً وتشهيراً وإساءة، وأن تتحول أبواق الإعلام لمعددات من أجل تمرير قانون خرب يجرم الحلال ويدعي شرط الموافقة عليه، ألم يكن بينهن يوماً من بحثت وفتشت في صلاح الأسر أزمنة بعد أزمنة فوجد تلك الأم الصالحة تقول لابنتها :" لكن النساء للرجال خلقن، ولهن خلق الرجال".