في زمنٍ أصبح فيه المُحافظ على حقه أشبه بالقابض على قطعةٍ من الجمر، وأصبحت القوة عنوانًا للعيش في سلام، يواصل الشعب الفلسطيني صموده دفاعًا عن أرضه وهويته، مقدّمًا آلاف الشهداء ضريبةً لهذا الثبات، ويبقى المسجد الأقصى شاهدًا خالدًا على تلاحم الدين بالهوية، والتاريخ بالنضال، مؤكدًا أن القدس وفلسطين ستظلان قضيتين نابضتين في قلوب الأحرار، حتى يسترد الفلسطينيون كامل حقوقهم، أو يرث الله الأرض ومن عليها.
اليوم، يقف الفلسطينيون ومعهم أحرار العالم رافعين رايات الكرامة والحرية، مطالبين بتحقيق العدالة وإنهاء معاناةٍ طال أمدها، رافضين الخضوع للظلم والاستسلام أمام آلة البطش، ويبقى المسجد الأقصى شامخًا، محتفظًا بمكانته الفريدة في عقيدة المسلمين، رغم محاولات طمس هويته ومكانته في النفوس، فهو الذي عُرج منه بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى السماوات العلى، ورمزًا لصمود هؤلاء الأبطال يومًا تلو الأخر!.
وقد جاءت الأحاديث النبوية تؤكد فضل الرباط والجهاد في أكناف بيت المقدس وفلسطين، لتُثلج صدور شعب بجميع أطيافه، وتؤكد لهم أنهم على الحق المبين وأجرهم عند الله عظيم، أبرزها قول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه الإمام أحمد والطبراني، وصححه الألباني:
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك.
- قيل: أين هم يا رسول الله؟
- قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
فهذا الحديث الشريف يبشّر بوجود طائفة ثابتة على الحق، تقاتل وتدافع عن الدين رغم المحن، في بيت المقدس وما حوله.
وقد ورد في السنة النبوية ما يبرز أهمية هذه البُقعة من الأرض، فقد رُوي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في حديثٍ موقف نبي الله موسى عليه السلام مع ملك الموت، حين طلب أن يكون موته قريبًا من الأرض المقدسة، وهو ما يدلّل على القدسية العميقة لفلسطين عبر العصور، فقد سأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، أي قرب مسافة إلقاء حجر من المسجد الأقصى المبارك.
وما بين هذا وذاك ورغم البطش المستمر تظل فلسطين، ومعها المسجد الأقصى، عنوانًا لصمود لا ينكسر، ورمزًا لهويةٍ لا تتبدد، ويبقى الأقصى شامخًا، يروي حكاية شعبٍ يأبى أن يفرط بأرضه أو قضيته، مسطًرا بدمائه أحرف من نور نُقشت في وجدان جميع الأمم!.