مدائح شمس النبوة في لوحة طاهر عبد العظيم

حازم
حازم

هي تلك اللوحة ذاتها، لوحة وُلدت في هذا العام على يد الفنان المبدع طاهر عبد العظيم، ولكن سبقتها إلينا لوحاتٌ ولوحات توالت في مشروعٍ كامل له عن السيرة النبوية، كانت كلها تمهيداً لها... نتحدث هنا عن لوحة 'المولد النبوي الشريف' التي هي مفتتح وميلاد ’السيرة الذهبية‘ (المعرضوالمشروع)...

هي لوحةٌ تحمل في طياتها قصيدة، تقف أمامها فتجد نفسك مأسوراً في محرابها، خاشعاً أمام الحدث الذي تحيلك إليه، والذكرى العطرة التي تحملك إليها... لوحةٌ شاعرة، خطوطها وألوانها منسوجةٌ من الشعر، فهي تنشد أبيات أمير الشعراء أحمد شوقي:

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ

الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ

لوحةٌ نطل فيها من عليين على أم القرى وما حولها، إذ نرى بيوتها المتراصة في هدوءٍ وسكينة، وكأنها تنتظر حدثاً جللاً له وزنه وقيمته في تاريخ البشرية... بيوت تحكي حكايتها ريشة الفنان من أقصى المدى إلى أقصاه، ولكن الحكاية يتوسطها بيت تشع منه طاقة نور علوية سماوية... يتسع شعاعها ويتجاوز مداها إلى آفاق أرحب على مدى الأرض ويرتفع ويرتفع إلى السماء...

وتزيّن هذه السماء طيورٌ بيضاء، أدركت قبل غيرها من الكائنات جلال هذا الحدث الشريف بمولد خاتم الأنبياء والمرسلين، فانطلقت تحمل الرسالة في كل اتجاه وتبعث بالبشرى إلى العالمين... إنه مولد خير الأنام، وإنه النور آتياً ليبدد الظلام... إنها تحمل تلك البشري وتنشر تلك بشارة، وفمُ الزمانِ متبسمٌ وسعيد، يلهج بالحمد والثناء لرب العالمين.

كم هو مدهش أن يختار طاهر عبد العظيم هذه التركيبة المبدعة وهذا التشكيل الفريد للوحته وهو يروي باللون والخط قصة هذه اللحظة الأولي من السيرة النبوية لتكون مصداقاً لكلمات أحمد شوقي في قصيدة ’وُلد الهدى‘... وكأن أمير الفن، طاهر عبد العظيم، يتمّم بلوحته هذه قصيدة أمير الشعر، أحمد شوقي...

اللوحة

ذهبٌ منثور على السيرة الذهبية من يد طاهر

كلنا يعرف الذهب، إنه ذلك العنصر النفيس، هو المال في صورته الجافة العنيفة الخالصة الخام... هو حلم الثراء، ومظهر الأغنياء، وهو غاية المستزيد من الدنيا وطموح الراغبين في الرفاهية ورغد العيش...

ولكن مع طاهر عبد العظيم وفي قاموسه اللوني والفني والجمالي، يأتي الذهب واللون الذهبي من مصدرٍ آخر ولغايةٍ أخرى... إن فن الطاهر تقلب معناه المتداول بين الناس إلى ما يناقض ذلك تماماً ويتجاوزه ويتعداه وينتصر عليه... إنه يأخذ اللون الذهبي إلى الكثير من لوحاته عامداً أن يهديه إلى سبيلٍ آخر وأن يعطيه دلالةً مغايرةً تماماً...

إن اللون الذهبي في أعمال طاهر عبد العظيم هو اكتشافٌ خاصٌ به يختص هو به لوحاته وأعماله... إنه يفارق به معني الغنى والثروة وما يرتبط بهما من الغرور والزهو إلى صيغةٍ أخرى تماماً؛ صيغةٌ تراه بأنه هو لون الشمس حين تشرق...وهو ضوء النهار يبدد ظلام الليل... هي أنوار المعرفة ضد سحائب الجهل... هي إشراقات النور ضد عتمة الظلمات... هي ’السيرة الذهبية‘ التي يتواصل عطاؤها في العالمين لتأخذ بيد البشر من الشقاء إلى السعادة، ومن البؤس والخوف إلى الطمأنينة والسكينة، من حالك عتمة الظلمات إلى بصير بهجة النور، إلى وهج الشمس الذهبية للسيرة العطرة، حيث أنه يسخِّر فنه وموهبته لأجل الاحتفاء والاحتفال بمدائح شمس النبوة في لوحة طاهر عبد العظيم هذه...

عند طاهر، نجد اللون الذهبي ممتزجاً بالأخضر الشفاف فيما حوله، والأبيض الناصع في أجنحة الطيور... نجد تناغماً يأسر العين ويخترق الروح ويطرب الوجدان...

ولنسأل ... من أين جاءت هذه القصيدة البصرية الكاملة الأركان؟

لقد جاءت من انفجار واتساع وتمدد تلك الطاقة القوية من النور وهي تنتشر وتتوزع من وسط اللوحة ومركزها لتنير أم القرى وما حولها، ويتم نورها على العالمين... جاءت من عناق الأخضر والأبيض، تنيرهما شمسٌ ذهبية تأخذ بيدنا لأول الطريق؛ طريق العارفين، وأول السبيل؛ سبيل السالكين إلى مقامات 'إياك نعبد وإياك نستعين'...

والحمد لله رب العالمين...

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً