تفاعلات الناس مع بعضهم البعض ليست دائماً سلسلة وسهلة وتعاونية وتصالحية، إنما قد تكون كذلك بعض الوقت – طال أو قصُر – ولكنها ليست محصّنةً من التحول إلى النقيض في علاقة صراعية أو نزاعية أو تصادمية قد تحمل العداوة بعد صداقة، والارتياب والشك بعد الثقة، والكراهية بعد الحب، والحرب بدلاً من السلام والوئام.
تفاعلات الناس مع بعضهم البعض ليست دائماً سلسلة وسهلة وتعاونية وتصالحية، إنما قد تكون كذلك بعض الوقت – طال أو قصُر – ولكنها ليست محصّنةً من التحول إلى النقيض في علاقة صراعية أو نزاعية أو تصادمية قد تحمل العداوة بعد صداقة، والارتياب والشك بعد الثقة، والكراهية بعد الحب، والحرب بدلاً من السلام والوئام.
الإنسان متغيّر، والحياة والظروف والأحداث والأشياء متغيرة… فهل كل منا مستعد للحالة الأخرى، ولنقيض العلاقة التي يعيشها مع بعض الناس ونقيض الحالة التي كان يألفها، إلى حالة لا يريدها ولا يرغب فيها، بل لم يتوقعها ولم يتخيلها مع من كانا قريبين إليه ومقربين إلى قلبه وعقله ووجدانه؟
إن حالة الخصام أو الصراع أو النزاع أو الصدام ليست غريبة عن الحياة، وليست طارئة عليها، بل إنها لم تعد هي الاستثناء، لأنها ربما صارت هي الحالة التي يظن الناس أنها طبيعية أو أنها هي حالة الطبيعة الأساسية، وأن على ذلك الحال يكون الوضع العام لكل البشر ويكون مزاجهم وأسلوب حياتهم وسط حالة التنافسية والصراعية والنزاعات الفردية والاحتكارية والصدامية التي تغلّف ما نسميه "الحياة الحديثة".
ماذا نفعل إذا تعرضنا لمثل هذا الظرف مع الطرف الآخر، وصرنا على مثل هذه الحالة مع من كان جزءاً منا، أو بعضاً منا، أو النصف الآخر لنا الذي يكمّلنا ويتمّمنا ويجعلنا – معه أو معها – واحداً صحيحاً مقسوماً على اثنين؟
ما هي الاستراتيجيات والتكتيكات؟ وماهي الحيل والأدوات؟ والخطط والمناورات التي سوف نستخدمها أو نلجأ إليها في هذا الصراع؟ كيف لنا أن نخوض هذه الحرب؟ ونشن الهجوم تلو الهجوم؟ ونكسب النقاط بعد النقاط ضد هذا الخصم؟ وكيف لنا أن نتقدم، ونتمسك بمواقفنا؟ ونشحن حلفاءنا ومناصرينا ضد هذا العدو الذي كان أقرب ما يكون؟
إن الأزمة الحقيقة هي أن كلا الطرفين يعتبر أنه من الطبيعي ومن المطلوب والمرغوب والمُستحق في هذه الحالة أن تكون العداوة بنفس قدر الصداقة التي كانت، وأن الخصومة والكراهية يجب أن تكون بنفس درجة الألفة والقرب والحب الذي كان، بل إن كلاً منهم، أو ربما أحدهما دون الآخر، أو أحدهما أكثر من الآخر، يرى أن هذا الصراع هو أهم غاياته، وأن الانتصار فيه هو هدفه في الحياة، كما يرى أن الصراع مسألة وجودية حيوية لا يمكن التهاون فيها أو التساهل معها.
هناك من يجعل "الصراع" هو هدف حياته وغايته بعد أي حدث مفصلي يحدث له، ثم يعيش باقي أيامه وهو يجترّ كل العناصر البشعة والمشاعر السوداء والرؤى العنيفة التي تغذي بقاءه / أو بقاءها في قلب الصراع واضعاً كل ما لديه كاستثمار للمعركة، وواضعاً حياته/ أو حياتها كلها على حافة الهاوية للانتصار على الطرف الآخر.
في مثل هذه الحالة، لا يستطيع أي إنسان أن يفكِّر فيما يستحقه هو / أو تستحقه هي من التعافي والاستشفاء والخروج من حيز هذه الخبرة المحددة، مهما كانت عميقة وقوية ومزعجة ومتعبة، إلى فضاء الحياة الواسع بكل ما فيها من فرص ومعالم، وإمكانيات واحتمالات وجماليات، ربما كانت تستطيع الحياة أن تعوِّضها / أو كان من الممكن لها أن تعوِّضه عن ذلك الذي كان.
نحن ننسى وقتها ما نستحقه نحن من قبيل البداية من جديد، والتجاوز، والتعافي، والاستمرار في الحياة، لأننا نريد أن نعطي خصومنا ما يستحقون - من وجهة نظرنا - من العذاب والقلق والانزعاج والألم.
عندها نجد أنفسنا نضحّي بأنفسنا مرةً أخرى، أو مرةً بعد مرة، من أجل إشباع الرغبة في الانتقام والشماتة والتشفي، وإرضاء ما صار متغلغلاً داخلنا من الغلّ والغضب والاندفاع والعنف، حتى لو لم يكن هذا هو طبعنا الأصلي، أو لم يكن هذا هو حالنا الأول، أو حتى لو كنا نحن الضحايا في الجولة الأولى من العلاقة، ولكننا ضرنا نحن المعتدين والكائدين والحاقدين، وفعلاً المجرمين في الجولة الثانية وما بعدها... بل إن هذا العنف وهذه الشراسة يمكنهما أن يمتدا معنا وسط حال الشر هذا ليجرح آخرين يدخلون حياتنا بعد التجربة السيئة السابقة، ويدفعون - بالتالي - ثمن خبرتنا السيئة، ونفسيتنا العنيدة والعنيفة والمريضة، وما صرنا عيه من استدامة الشك والقلق وعدم الثقة بالنفس أو بالآخرين، وقطعاً عدم التفاهم وعدم التسامح وعدم الاندماج وعدم الاهتمام عند التعامل معهم.
بالقطع لا يجب أن تكون حياتنا أو حياة من حولنا على هذا الحال. إن علينا أن نفكّر أولا في ما نستحقه نحن... لا ما يستحقونه هم... لكي تستقيم حياتنا وحياتهم.