طارق متولي يكتب.. الجوانب النفسية فى الأعمال الدرامية

طارق متولي
طارق متولي
كتب : أهل مصر

عندما نريد أن تبنى بناءا جيدا فلابد أولا أن نضع له أساسا جيدا، وبدون الأساس الجيد لن تحصل على بناء جيد مهما تفننت فى طول البناء أو الديكورات العظيمة والزخارف والزينة والأنوار، سيظل البناء هشا وغير مستقرا وقابل للسقوط فى أى لحظة.

فى الأعمال الدرامية الأساس هو القصة أو الرواية، فإذا كانت القصة أو الرواية جيدة ومتينة تستطيع أن تبنى عليها عمل درامى جيد وصامد يبقى فى ذهن المشاهدين سنوات عديدة، ويظل علامة فى تاريخ الفن لا تمحوها السنين.

الأمر الآخر أن الفن عموما والأعمال الفنية صناعة وليست تجارة أو بيزنس، وفرق كبير جدا بين الصناعة والبيزنس، فالتجارة لا تصنع ولا تنتج ولكن تشترى وتبيع سلعة هدفها الأول والأخير المكسب وليس لها هدف آخر.

اختلاط التجارة بالفن والصناعة يضر الصناعة؛ لأن الصناعة لها أدواتها اللازمة لها والتى ربما تراها التجارة معطلة للمكسب أو تقلل منه لهذا تختصر التجارة هذه الأدوات لأدنى مستوياتها لكى تحقق اكبر قدر من الربح بأقل التكاليف.

فمثلا فى الأعمال الدرامية التجارية الحالية لا يلجأ رأس المال إلى الاعتماد على كتاب كبار فى القصة والرواية ليوفر نفقاتهم ويستسهل الأمر بأن يأتى بأى شخص يكتب تماما مثل ما يلجأ شخص لصانع غير ماهر رخيص الثمن؛ بدلا من صانع ماهر غالى الثمن لكى يصنع له نفس المنتج ولكن بشكل ردىء يبدو فى الظاهر أن يشبه المنتج الجيد ولكن بمجرد معاينته تكتشف الفرق.

قس على ذلك جميع مراحل العمل الدرامى من موسيقى وديكور وممثلين وعاملين.

ومنتجى الأعمال الدرامية هذه الأيام مثلا يحضرون نجم لبطولة العمل لأنه لا غنى عن وجود نجم يشهر العمل ولكن بقية الأدوار تجدهم يحضرون أفراد أقل بكثير فى المستوى اعتقادا منهم أن النجم وحده كافى لأحداث الشكل المطلوب والأدوار الأخرى مجرد كومبارس أو ديكور.

فى البلاد المتقدمة يختار صناع العمل الدرامى أو السينمائي كل أفراد العمل بعناية من أول النجم إلى آخر كومبارس سيؤدى ربما مشهد واحد دقيقة أو دقيقتين، بالإضافة إلى أنهم يهتمون بكل التفاصيل بنفس القدر ونفس الجودة.

مشكلتنا أننا لا نرى أن التفاصيل الصغيرة مهمة ولا اللمسة الأخيرة، ولا نجيد الإتقان والإهتمام بكل مراحل العمل نكتفى فقط بعمل جزء من العمل بشكل جيد نخفى وراءه باقى الأجزاء ونغطى عليها اعتمادا على خداع الجماهير تماما مثل من يضع الثمار الصالحة فى المقدمة ويخفى تحتها الثمار السيئة .

مسألة أخيرة أعتقد أنه لا يلتفت إليها أحد من صناع الأعمال الدرامية ولا يولونها اهتمام وهى دراسة الجوانب النفسية للشخصية المقدمة (احنا لسه ها ندرس ونقرأ ونحلل مفيش وقت عايزين نخلص العمل ونبيعه وندخل على اللى بعده).

فمثلا لتقديم شخصية ما لعالم أو لأستاذ أو حتى لأحد العوام لابد أن ادرس الجوانب النفسية لهذه الشخصية ثقافتها التى اكتسبتها من البيئة التى تعيش فيها ولغتها وسلوكها وتصرفاتها فى الحياة والمواقف المختلفة وهذا فى الحقيقة دور الممثل الذى يجب أن ينفصل تماما عن شخصيتة وتركيبته النفسية لينتقل إلى شخصية العمل وتركيبتها النفسية فلا يجب أن أرى شخصية الممثل اطلاقا فى العمل ومجرد رؤيتها يسقط الإداء التمثيلى.

أخيرا أن كل شىء فى الحياة علم له أصوله وقواعده من أصغر الأعمال إلى أكبر الأعمال وربما إذا أردنا أن نتحدث عن كل مكون من مكونات الدراما نحتاج إلى صفحات وصفحات، لكن حسبنا أن ننوه عن أهمية الدراسة والتعلم يجب على كل من يتصدر لعمل ما أن يدرس هذا العلم دراسة جيدة حتى يتقن هذا العمل بعيدا عن المجاملات والمصالح وبعيد عن اعتبارات أخرى غير صالح العمل.

إذا أردنا أن نتقدم فى مجال الدراما أو فى أى مجال فعلينا أن ندرس ونتعلم وباستمرار.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً