اعلان

يوميات معتمر في المدينة المنورة (19) .. خطيئة حزب الامة في حق نفسه وحق السودان الحبيب

الجيش السوداني
الجيش السوداني

بين مكة والمدينة وجدة ومدن أخرى من الحجاز كانت القضية التي فرضت نفسها هى الحرب في السودان، كنت أقول دوما ان الحرب في السودان ليس المقصود بها السودان فحسب وأن الذي يخطط ويدير هذه الحرب يقصد بها السودان أولا ثم مصر في الخطوة التالية، كان البعض يغضب مني عندما أقول إن مصر سوف تكون تحت رحمة من يحكم السودان، كنت اقول الجملة بشكل مختصر ( مصر تحت رحمة السودان) ولكن لم اضطر إلى أشرح ما أقصد إلا مؤخرا عندما بدأ كثيرون في عتابي من الجانبين سواء من المصريين أو السودانيين .

العقل المدبر وراء الحرب في السودان يستهدف حصار مصر من الجنوب

لا يمكن لأي مراقب للحرب في السودان أن يسلم بأن حميدتي واخوه عبد الرحيم، وهم رعاة وتجار إبل بالأساس ولم يحصل أى منهم على أى خبرات عسكرية تزيد عن عمليات القتل والنهب هم الذين يديرون المشهد الحالي للمعركة في الخرطوم، وظني أن حميدتي نفسه لا يعرف اسماء الاسلحة والذخائر التي لا يعرف أحد كيف تدخل للسودان وكيف تستمر مليشيا الدعم السريع في تعويض ما تستنفذه خلال المعارك منها، لكن المؤكد أن هناك مغنما كبيرا من الحرب في السودان، وأن السودان يستحق كل هذه الأموال التي تنفق يوميا بسخاء بالغ على شراء السلاح والذخيرة وعلى تجنيد المرتزقة، ولكن لا يعقل أيضا أن من يمول ويخطط للحرب في السودان سوف يكتفي بالسودان فقط، وإن لم يكن الهدف التالي هو حصار مصر من الجنوب فسوف يكون الهدف أخطر من ذلك بكثير.

حزب الأمة والعجز المريب ومتوالية تفكيك السودان

إن الحرب الجارية في السودان هى حرب كاشفة سوف يكون لها ما بعدها، ولن يكون السودان بعد الحرب مثل السودان قبل الحرب، ومن بين الرصاص والقتل سوف يولد للسودان قادة جدد شباب وفتيات يظهرون الان شجاعة فائقة في الدفاع عن وطنهم، ولكن مع ذلك فإن الاحزاب التاريخية في السودان، وفي القلب منها حزب الامة السوداني، سوف يخرج من هذه الحرب خاسرا على كل الجبهات، جبهة السياسة وجبهة الرأي العام وجبهة الشارع والمواطن السوداني البسيط، ومع الأسف لن يذكر حزب الامة في تاريخ السودان أنه قدم شئيا يحسب له أو عليه خلال هذه الحرب التي تستهدف وجود السودان، إني أعجز في حقيقة الامر عن تفسير هذا ( العجز المريب ) من جانب حزب الامة على أن يكون فاعلا في المشهد السوداني والسودان يتمزق ويتعرض لأكبر محنة في تاريخه الحديث، إن ان حزب الامة من أعرق الاحزاب السياسية ليس في السودان او العالم العربي فقط بل في العالم، ولكن مع الأسف فإن هذا قيادات الحزب الذي كان يناط به الدفاع عن السودان فضلت قيادته الهروب إلى القاهرة ولندن وحتي ابو ظبي للعيش في قصور فاخرة مكيفة والسودان يحترق ومواطنيهم يتشردون ويتعرضون للقتل والاغتصاب بدون رحمة على يد ميلشيات بعضها مع الأسف على علاقة واضحة العيان مع قيادات في حزب الأمة، لكن كان من المفترض أن يستغل حزب الأمة تاريخه وعلاقات قيادته بالعواصم الفاعلة في العالم لتعزيز خندق الجيش السوداني، لا أن يقف موقف متفرج يكتفي بتغريدات يغرد بها قياداته الهاربون من الميدان وكأن الحرب تدور في بلد أخرى لا تعنيهم

الخطايا التاريخية والكراهية المعلنة والصامتة بين مصر والسودان

لقد هالني حجم الكراهية المعلنة والصامتة التي لاحظتها منذ سنوات من اهلنا في السودان ضد مصر والمصريين، وعندما حدثت مهزلة مباراة كرة القدم الشهيرة قبل الحرب مباشرة شعرت بالخوف من أن هناك ما يحاك بليل لتخريب ما بقى من علاقات محبة ظلت قائمة طوال التاريخ بين الشعبين في وادي النيل، لقد لعبت بعض وسائل الاعلام المصرية دورا إجراميا في تعزيز الاساءة لشعب السودان الحبيب، وكذلك بعض ذوي الاخلاق المنحطة الذين لا تخلوا منهم الشوارع في اي مجتمع، وهؤلاء هو وقود يومي لنيران الكراهية التي حذرت منها قبل سنوات ولجأت للصديق الروائي السوداني الكبير منصور الصويم لينبه لها فأدلى بدلو لا يستطيع غيره أن يدلي به، ولكن مع ذلك فإن حزب الأمة يتحمل جزء من ميراث الكراهية الذي بدء في تغذيته مبكرا ضد مصر، منذ أن منذ أن سلم السيد عبد الرحمن المهدي سيف جده الإمام المهدي لملك إنجلترا كهدية وأعاده إليه الملك الحصيف قائلآ له : ( إحتفظ به للدفاع عن إمبراطوريتي ) ، لقد كانت مصر والسودان على الدوام جسما واحد وشعبا واحدا ، إلى أن بزر حزب الامة بذور الفرقة بين الشعبين على أمل أن يتحول الامام المهدي وأحفاده لملوك على السودان، وفي عصر الجمهورية كان حزب الامة هو الذي يحرك ملايين الاتباع ضد اي فكرة للبقاء مع مصر في دولة واحدة، وقد حدث له ما أراد وساعده على ذلك غباء النظام الناصري الذي لم يبدي أى حرص على استمرار دولة الوحدة بين مصر والسودان، بل ساهم في دفع قطار الانفصال بالرغم من أن الاتحاديين والملايين من طائفة الختمية الذين يرتبطون برباط القربى والحب مع مصر والمصريين.

همسة عتاب لمريم المهدي .. العود على البدء ومتوالية تقسيم السودان

لقد كنت أحسن الظن بـ مريم المهدي، التي يحلو لأصدقاء من السودان أن يسموها بمريم المصرية ، ولا زلت أحسن الظن بها، وحتى عندما وقعت مريم المهدي في فترة سابقة على بيان مشترك مع ناطق باسم الجبهة الثورية ومندوب عن حركة “عبد العزيز الحلو” في جبال النوبة جاء فيه: (نؤكد أن حق تقرير المصير الذي تكفله المواثيق الدولية لا يعني الانفصال، مع ضرورة العمل للحفاظ على وحدة السودان بمخاطبة أسباب الأزمات وتقديم الحلول الجذرية )، جاء في خلدي أن توقيع مريم المهدي في حينه شكل من أشكال المناورة السياسية وليس تسليما بانفصال جبال النوبة عن جسد السودان الحبيب، والذي إن حدث فسوف يشعل متوالية انقسام جديد تزيد من جروح جسد السودان، وهذا الانقسام سوف تمتد آثاره لمصر بالتأكيد ، لكن المهم أن مريم المهدي ورفاقها من زعماء حزب الأمة يكررون بعجزهم المريب عن الفعل في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ السودان خطئية الجد الذي سلم سيفه لملك بريطانيا، في كل الأحوال فإن لكن همسة العتاب التي اهمس بها لها : ( يا حفيدة الإمام غادري قصرك في القاهرة وعودي للخرطوم وسط شعبك لا تخجلي من أن توزعي على فقرائهم الطعام وأن تقفي وسط المشردين كسياسية حقيقة بدلا من مقابلات الصالونات المكيفة في عواصم تبعد عن الخرطوم الجريحة آلاف الكيلو مترات ) .

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً