في رحلة العمرة وفي المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام كانت الفرصة سانحة للقاء أهلنا من السودان الدارسين في الجامعة الإسلامية، الحقيقة سعدت بلقاء دارس ماجستير في علم النفس هو من الخرطوم، ولم يكن مفاجئا لي أن استمع لشاب سوداني رفيع الثقافة، فظني أن الشباب المثقف في السودان أكثر وعيا وأرفع ثقافة من نظيره في دول عربية أخرى، ولكن ما لفت انتباهي هو مستوى الوعي بحقيقة وعمق الأزمة السودانية من جانب هذا الباحث الذي قام بتفكيك المشهد السوداني من وجهة نظر اعترف أنها كانت غائبة عني، وأكثر من هذا أنه تناول جوانب الحرب من وجهة نظر تخصصه، وهي وجهة غائبة عن كثيرين وتتعلق بتحليل مشهد الحرب من جانب متخصص في علم النفس العسكري .
قوات غير متجانسة في الملابس والملامح والأعمال ضمن مرتزقة الدعم السريع
سلوك غير متجانس في القتال والحركة على الأرض لقوات حميدتي
من وجهة علم النفس العسكري فإن سلوك قوات حميدتي ليس سلوك قوات تحارب من أجل قضية ولا حتى من أجل تحقيق انتصار على الأرض، بل هو سلوك جماعات تتشكل من مقاتلين غير متجانسين ويعملون بدون تنسيق ولا أهداف مشتركة، وهم في نفس الوقت غير مستعدين للاستقرار النهائي في أي موقع للقتال بل سوف يستمرون في الحركة ، وهو ما يفسر سلوك قوات حميدتي على الأرض التي حتى في الحالات التي تحقق فيها انتصارات على الجيش السوداني فإنها سرعان ما تنسحب من المناطق التي سيطرت عليها، ظهر ذلك في أكثر من حالة، ويكون انسحاب قوات حميدتي في هذه الحالات تعبيرا عن حالة الشرود النفسي التي تحكم عقلية المقاتل المرتزق الذي يسعى فقط للقتال من أجل كسب المال، ويفسر هذا أيضا تراجع الإنتاج النيراني لقوات مرتزقة الدعم السريع على فترات متقطعة بالنظر إلى أن المرتزقة بخلاف الجنود النظاميين ينتجون النيران بكثافة في الفترات التي تلي حصولهم على رواتبهم ثم يتراجع إنتاجهم النيراني في انتظار أموال جديدة .
ليست حربا على السلطة ولا الثروة وأصول حميدتي التشادية تفضح أغراضه
فما يحدث في السودان ليست حربا أهلية بين أشخاص متنافسين على السلطة أو الثروة، لقد عرف السودان الحروب الأهلية، وعرف الدعوات الانفصالية وتعالت فيها مطالب الفيدرالية، بل وحتى عرف الانفصال أو التقسيم بعد حرب أهلية طويلة ومريرة في الجنوب، لكن الوضع هذه المرة ليس حربا أهلية بين فصيل جهوي أو عرقي، ولكن هذه المرة الحرب في الخرطوم العاصمة وتتنقل لدارفور وتشجع جماعات انفصالية في مناطق مختلفة من السودان على الانفصال، أما المشهد اللافت فهو أن طرفا من الأطراف المحاربة ليس سودانيا، فإن كان لدي الجميع يقين موجود الآن لدى الجميع داخل وخارج السودان من أن قوات الدعم السريع تتشكل من مرتزقة من جنسيات مختلفة تشاديون ومن افريقيا الوسطى وحتى من روسيا، فإن أصول محمد حامد دقلو ( حميدتي ) نفسه كمواطن سوداني محل شك كبير.
غزو شامل واحتلال بالوكالة وثقافة غريبة عن الجيوش العربية تدير المعركة
إن الحرب التي تجري في السودان ليست حربا بين حميدتي ويبن الجيش السوداني، بل غزو شامل لا يتصور ان حميدتي راعي الإبل الذي لا يفهم إلا لغة القتل العشوائي قادر على التخطيط له بكل هذه الكفاءة، نحن لا نعلم كيف تتمكن قوات حميدتي من تعويض خسائرها من الذخيرة والرجال، وحتى إذا نجح حميدتي بحكم خبرته كتاجر إبل، وهو ومعاونوه، في تهريب الذخيرة والسلاح وتجنيد المرتزقة، فلا نعلم مين هو العقل المخطط الذي يضع لحميدتي كل هذه الخطط القتالية غير المألوفة في البيئة السودانية من قبل، فالحروب الاهلية السابقة في السودان كانت حروب أحراش وغابات، ولكن لأول مرة نرى خصما للجيش السوداني يناور في القتال بهذا الشكل وينقل حربه من العاصمة للضواحي ثم للحدود، ويعود مرة اخرى للقتال في العاصمة ثم يخرج للضواحي، وينتقل مجددا للحدود، ان من يخطط لحميدتي يعلم أن الجيوش النظامية إذا انتقلت كثيرا سوف تنهك وتفقد في كل مرة تنتقل فيها أجزاء من قواتها الضاربة، هذه الثقافة في نقل المعارك بين جبهات متعددة في نفس الوقت ليست ثقافة الجيوش العربية، هى جزء من ثقافة الجيش الإسرائيلي الذي تقوم عقيدته القتالية فيها على امكانية القتال على أكثر من جبهة في نفس الوقت .
السيطرة على أراضي السودان وتهجير سكانه وإعادة توطين سكان جدد
إن الحرب الحالية في السودان الحبيب ليست حربا أهلية كما هو متعارف عليها، خاصة وأن الحروب الاهلية ليست جديدة على السودان، ولكنها محاولة مكشوفة لغزو السودان والسيطرة عليه من خلال قوى أجنبية دفعت بـ حميدتي وميليشياته والاف من المرتزقة للقتال نيابة عنها لتقطيع أوصال السودان أولا ثم احتلال أرضه وتهجير سكانه وإحلال سكان جدد مكانهم، ولم يكن قرار حكومة النيجر مؤخرا بطرد 150 ألفا من قبيلة المحاميد العربية من النيجر إلى تشاد ثم تقلف حميدتي لهم في تشاد وتجنيد المرتزقة منهم مع وعدهم بإعادة توطينهم في السودان إلا جزء من مخطط للهندسة السكانية يهدف إلى ابتلاع السودان واحتلال أراضيه وليس مجرد حرب أهلية أو نزاع مسلح قد ينتهي بانتصار طرف فيه أو حتى عن طريق المفاوضات والوساطة .
خطر غير مسبوق على الأمن القومي المصري ماثل في الجنوب
إن ما يجري في السودان يمثل خطرا غير مسبوق على الامن القومي المصري، لا تمثل هذه الحرب مجرد قتال في دولة مجاورة لمصر، بل إن هذه الحرب سوف تمتد بالتأكيد لتهدد الاستقرار في جنوب مصر، نحن لا نتصور أن طرفا يمول هذه الحرب ويخاطر بكل هذه الاموال لتمويل حميدتي ويمنحه خبرة غير مسبوقة لدى الجيوش العربية في القتلا فقط ليتوقف بعدها عند حدود السودان، ولا نعلم حدودا للسودان أهم من حدوده مع مصر، إن ما تقوم به قوات حمديتي بكل وضوح هى توجيه ضربات انتقامية بواسطة الانساق الاحتياطية الثانية التي تتمثل في احتياطيات الاسلحة المشتركة لتدمير جوانب الجيش السوداني بدون أن يخاطر حميدتي بتعريض القوة الضاربة لقواته لمواجه مباشرة، وتقوم قوات الدعم السريع في كل الحالات التي تشتبك فيها مع القوات السوداني بهجوم مضاد عام ثم استعادة أوضاع دفاعية سابقة كانت قد حققتها على الأرض، حتى ولو تطلب هذا انسحابها من مواقع استولت عليها بالفعل، وهذا السلوك القتالي يتطلب الدقة في تقدير الموقف خاصة بالدراسة العميقة لقوات الخصم ( وهو هنا الجيش السوداني الذي يواجه قوات حميدتي ) ومعرفة احتياطياته واستعدادات نسقه الثاني وحرمان هذا النسق من إمكانيات التدخل في معركة الضربة المضادة، مع ضمان تقدم قوات الدعم السريع لخطوط الدفع وتوجيه ضربات سريعة على أجناب الجيش السوداني، وكل هذه الادوات لا يمكن أن نتصور ان ميلشيات مرتزقة من جنسيات مختلفة وبأدوات بدائية تملكها، هناك من يفكر ويخطط لحميدتي ، وهذا الطرف طرف خبير بحروب القتال المتحرك الذي لا تجيده الجيوش العربية وليست مدربة عليه، إن الخطر ماثل وإن ما يجري في السودان هو احتلال بالوكالة تفضحه الزيارات الطويلة والمتكررة لما يسمى بالمستشار السياسي لحميدتي ( يوسف عزت ) لتل أبيب ، وهى زيارات لا نعلم ما يجري فيها سوف التآمر على السودان وعلى مصر بدون أى شك
.. فانتبهوا أيها السادة !