من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها كثير من المسلمين في فهم معاني العمرة والحج أن يظنوا أنها مواسم الحج والعمرة هى مواسم فقط للعبادة والروحانيات، وهى فعلا كذلك، ولكن في قول كثير من العلماء فإن مواسم الحج والعمرة تمثل مناسبات يلتقي فيها المسلمون من كل بقاع العالم، ليتدبروا أمور أمتهم كما يتدبرون أمور دينهم، وفي أقل الأحوال أن يكون لقاء المسلمين ببعضهم البعض فرصة ليتعرفوا فيها على أحوالهم عن قرب وأن يستمع كل منهم للآخر عن أحوال بلاده بعيدا عن روايات وكالات الانباء ومواقع الاخبار التي قد لا تكون في كثير من الحالات حقيقية ولا واقعية، وإن كان الحج هو المؤتمر السنوي الجامع للمسلمين، فإن العمرة هى بمثابة مؤتمر دائم لا ينقطع وليس له موعد على دار العام يلتقي فيها المسلمون وجها لوجه ليتعارفوا ويتدبروا شؤونهم وقضاياهم، هذا هو فهمي للعمرة وفهمي للحج .
العمرة مؤتمر دائم يلتقي فيه المسلمون
الحرب في السودان مشهد يفرض نفسه على العالم الإسلامي
في رحلتي للعمرة بين المدينة المنورة وبين مكة المكرمة وامتدت لتشمل جدة ومدنا أخرى في المملكة قابلت عددا لا يحصيه من المسلمين من كل بقاع الأرض، وتحدثت مع بعضهم حديث الراغب في الاستزادة من المعرفة حول أحوال بلادهم، قابلت أناسا من الهند وبنجلاديش وباكستان وتركيا واليمن وسوريا والاردن والمغرب، ولكن كان ابطال معظم هذه اللقاءات أشقاء من السودان الحبيب، بعد أن فرضت أحداث السودان نفسها على كل مجلس يكون فيه الحديث عن الشأن العام للمسلمين .
القارئ نورين محمد صديق صوت قادم من السماء يتلو القرآن
ومن الذين حدثوني عن أجواء الحرب في السودان ( المصطفى )، هو شاب سوداني شهم من الشباب الذين يتفجرون حماسة ووطنية وحب لوطنهم، وانت معه تشعر كانك تعايش السودان كائنا حيا وليست بلد على خريطة الجغرافيا، وبين وجبات الطعام التي يهدي بعضها لي وبين الموسيقي السودانية التي اسمعها حين يستمع هو لها في بعض الأوقات، وحتى عندما يسمع القرآن الكريم اختار لي أن اسمع معه تلاوة للقارئ السوداني الراحل ، المغفور له بإذن الله تعالى ، نورين محمد صديق يتلو آيات من سورة النساء وكأني في السيارة اسمع القرآن الكريم يتلى في الخرطوم التي لا ازال اذكر أجواء صلاة الفجر منذ أن زرتها قبل سنوات ، وخلال عشر دقائق فقط هى زمن رحلة السيارة استرجعت مع صوت القارئ السوداني الراحل ذكريات صلاة الفجر في الخرطوم ، وكأن صوت القارئ الراحل قادم من السماء يتلو القرآن الكريم ، ولكن الأهم من ذلك أني تيقنت أن السودان الحبيب سوف يخرج من عثرته الحالية بفضل حماس شباب مثل ( المصطفى ) الذين لفتوا نظري لجوانب لم أكن على علم بها في المشهد السوداني، أهمها أن بعض الذين يتاجرون بالديمقراطية من المنتسبين لما يعرف بقوى الحرية والتغيير المعروفة اختصارا باسم ( قحت ) هم أخطر على أهل السودان السودان من النظام السوداني السابق الذي أطاح به أبناء السودان في ثورة شعبية ملهمة .
المتورطون حتى أذنيهم في دفع السودان للحرب الأهلية
الحقيقة إن السودان يمر بمحنة، ومع الأسف فقد أظهرت هذه المحنة حقيقة أشقاء للسودان تخلوا عنه، وبعضهم متورط لأذنيه في أقبية بعضها سرية وبعضها علنية مع المتورطين في دفع السودان لمشهد الحرب الراهن، كان من الممكن أن يكون موقف دول جارة السودان ودول أخرى شقيقة له أكثر حسما في الصراع الراهن، ولم يكن من المقبول في كل الأحوال المساواة بين طرفي النزاع وكأنهم رؤوس متكافئة في الصراع، بينما الحقيقة الواضحة التي لا تقبل النقاش أن الحرب الدائرة حاليا هى بين الجيش السوداني الشرعي للبلاد والذي تحوطه حاضنة شعبية من عشرات الملايين من الشعب السوداني، ومئات الملايين من العرب والمسلمين المحبين للسودان وأهله، وبين قوات متمردة يقودها شخص مغامر يستجلب المرتزقة من كل مكان ليستمر في حرب، هي غزو بالوكالة وليس صراعا سياسيا تحت أى ظرف .عتاب وغضب مكتوم وناقوس الخطر الذي لم ينتبه به أحد
لكن في كل الاحوال يجب أن اقول أن كل لقاءاتي مع أشقاء من السودان في رحلة العمرة التي قد تكون اهم رحلة في حياتي، لمست ممن تحدثت معهم نبرة عتاب وإن لم يصرح بها احد، شعرت بالغضب المكتوم وإن كان كل من قابلتهم من أهل السودان من سمو النفس ونبل الأخلاق ما يجعلهم يترفعون عن التصريح بغضبهم لشخصي وهم يرون اني وحيد وغريب، لكن اصدقكم القول إني كنت احاول في كل مرة أن استنطق عتاب من قابلتهم من أهل السودان، فأنا نفسي اصدقهم في هذا العتاب، ما كان ينبعي للقاهرة، والعالم كله يعلم منذ وقت طويل ما يدور في السودان بتفاصيله، أن تترك الخرطوم حتي يقع بها هذا الدمار، لقد قابلت في القاهرة قبل أن اغادرها أصدقاء صحفيين وقيادات في حركات سياسية سودانية، كلهم أكدوا لي قبل وقوع الحرب أن الحرب مؤكدة في السودان، وكان لأهل مصر سبقا في التحذير بكل قوة ودق جرس الإنذار وبكلمات واضحة لا تقبل التأويل من ان ( جارة الجنوب ) على موعد مع حرب أهلية ( مؤكدة ) وليست محتملة ، ولا اظن أن دوائر رسمية لم يكن لديها نفس هذه الرؤية، كان يمكن منع هذه الحرب قبل وقوعها، وكان يمكن قطع اليد التي تخطط لإشعال النيران في بيت الجيران عمدا وعن قصد، لأن هذا الحريق سوف يمتد بكل تأكيد لنا في مصر، بل أن أكثر ما ألمني من عتاب مكتوم لم يصرح به الأشقاء من السودان، هو أن كل الاشقاء العرب يتعاملون مع المشهد الراهن في السودان على أنه نزاع بين طرفين متكافئين يمكن جمعهما على طاولة مفاوضات، وليس تمرد ومحاولة انقلاب إجرامية قام بها شخص معروف بجرائمه السابقة ضد الانسانية في دارفور منذ سنة 2004 م ضد مؤسسات الدولة السودانية الرسمية وجيشها .