بين شعر شريهان وفستان أليسا ... صحافتنا الخائفة وخياراتنا الصفرية وصناعة الوعى الزائف

سد النهضة
سد النهضة

بعد موت جمال عبد الناصر كتب توفيق الحكيم كتابه ( عودة الوعى) ، وصدر كتاب (عودة الوعى ) في سنة 1974م بعد وفاة عبد الناصر بأربع أعوام وبعد حرب اكتوبر، وكان الكتاب الذي لم يزد عدد صفحاته عن 120 صفحة بمثابة وثيقة تدمغ عصرا بأكمله بأنه عصر بلا وعى ، وهو الكتاب الذي تعرض بسببه توفيق الحكيم لسهام نقاده الذين اتهموه هو نفسه بأنه كان واحدة من الذين اتهمهم بتغييب وعي مصر خلال فترة من أخطر الفترات التي مرت في تاريخها، ومن كتاب توفيق الحكيم انقل بعض المقتطفات التي تمس حاضرنا، يقول توفيق الحكيم بعد أن تحدث عن بعض المكاسب التي تحققت في العصر الناصري : (ضياع وعي مصر .. وأنا أفترض أن كل هذه المكاسب حقيقية. وأود من كل قلبى أن يسفر البحث النزيه عن ذلك .. ولكن هناك خسارة لا شك فيها ولا يعدلها عندى مكسب، ذلك هو ضياع وعى مصر ..... هذه الحالة العجيبة التي أصابتنا يجب أن تكون يوما محل دراسة وتحقيق ) .

استعدت هذه الفقرات من كتاب توفيق الحكيم وأنا اتنقل بين مواقع وصحف نعمل بها ويعمل بها زملاء، ولعلي أضع نفسا موضعا أكثر شجاعة من الراحل توفيق الحكيم فاعترف قبل أن يتهمني الآخرون، أننا كلنا بلا استثناء مشاركون في صناعة وعى جمعي زائف بما ننشره من مواد صحفية ضحلة وتافهة تتراوح ما ننشره عن شعر شريهان وفستان أليسا، بينما نمر جميعا في مصر وفي بلاد الجوار ، فلسطين العربية المحتلة وليبيا والسودان، ليس بمنعطف تاريخي فحسب، بعد أن خرجنا خارج التاريخ، بل بمنعطف وجودي يهدد وجود بلادنا من الأساس .

الحرب الصفرية في السودان وأثيوبيا سيدة النيل بلا منازع حتى ساعة كتابة هذا المقال

ففي جنوب مصر تدور حربا صفرية بين الجيش السوداني وبين مرتزقة الدعم السريع، وبينما عجز الجيش السوداني عن استعادة سيطرته على البلاد، بعد أن صنع بنفسه وحش الدعم السريع، وهو وحش متعدد الرؤوس لن يتوقف أبدا عن القتل والتدمير إلا بعد أن يدمر الدولة السودانية نفسها، لجأ الجيش السوداني إلى أسوأ الاختيارات وهو توزيع السلاح على المدنيين ليسقط عن عمد أو بحسن نية السودان في هوة سحيقة من الفوضى الشاملة، وفي نفس الوقت نبدو الآن أعجز من أى وقت مضى على الوقوف في وجه أثيوبيا التي يبدو أنها أصبحت سيدة نهر النيل بلا منازع حتي ساعة كتابة هذا المقال .

جيش الاحتلال وإبادة أهل غزة أو دفعهم للنزوج القسري لسيناء

وفي نفس الوقت فإن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستمر هو الآخر في حرب الإبادة الوحشية ضد الشعب الفلسطيني والاستمرار في دفع سكان قطاع غزة للنزوح القسري والهجرة الإجبارية لسيناء وغيرها، وهو نزوح إن حدث فسوف يضرب الأمن القومي المصري في مقتل، وفي الغرب تبدو الرمال الليبية مثل رمال متحركة تغرق فيها كل أمال الاستقرار للشعب الليبي الشقيق، وهو ما سوف يخلق في المستقبل مصدر توتر وتهديد مباشر للأمن القومي المصري.

وسط كل هذه التهديدات الوجودية التي تكاد تعصف بمصر لا تجد صحافتنا الخائفة وبعض القائمين عليها من الذين ترتعش الأقلام في أقلامهم خوفا أو طمعا أى حرج في أن يتوسعوا في النشر موضوعات مثل شعر شريهان أو فستان أليسا، وسط حالة من غياب الوعى غير المسبوق، ليس عن المواطنين العاديين فحسب، بل عن القائمين على صناعة وعى هؤلاء المواطنين، وبينما تمر الأيام وتتعاظم الأخطار، نستمر نحن ليس فقط في تغييب الوعي، بل في صناعة الوعى الزائف الذي سوف نغرق فيه جميعا إن لم نتوقف الآن وعلى الفور !

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
من نسل السنوار.. تقرير عبري عن أقوى رجل عسكري في قطاع غزة