اعلان

محمد مختار يكتب عن امرأة لها ملامح تشبه ملامح نساء الشرق الأوسط ... هاريس فازت فلا تلتفتوا لنتائج التصويت !

كامالا هاريس
كامالا هاريس

أكتب هذا المقال قبل بدء التصويت في الانتخابات الأمريكية بيوم كامل، وبصرف النظر عن مجريات التصويت وعن نتائج الانتخابات الأمريكية، لكن في كل الأحوال، فإن نائبة الرئيس الأمريكية كامالا هاريس، التي تحمل ملامح تشبه ملامح النساء الشرق أوسطيات، قد فازت في قلوب الملايين حول العالم. فقد حظيت بدعم كبير من المستضعفين والفقراء، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء العالم. فملايين الفقراء والمضطهدين في بلدانهم، والذين لديهم أقارب في الولايات المتحدة، تجمهروا حول أجهزة التلفاز ودعوا لها، آملاً في أن تحقق وعودها بتسهيل لم شمل المهاجرين مع أسرهم وأطفالهم، ومنح العفو القانوني لمئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين الذين فروا إلى الولايات المتحدة بحثًا عن الأمان والطعام .

عنصرية دونالد ترامب الشديدة

لقد كانت هاريس، وهي تواجه عنصرية دونالد ترامب الشديدة، امرأة بحجم أمة. ولا أعلم وصفًا أدق لامرأة مثل هاريس، التي جاءت مع أسرتها من الهند، وعانت في طفولتها من العنصرية، وعاشت في أحياء تفصل بين الملونين والبيض. ولكن هذه الطفلة الصغيرة كبرت وتعلمت، وتقلدت وظائف أهلّتها لتكون في نهاية المطاف نائبة رئيس الولايات المتحدة خلال فترة حكم الرئيس جو بايدن، الذي أسلمها قيادة البلاد. بل وقيادة العالم، رغمًا عن إرادة البيض الساكسون الذين يرون أن حكمهم للولايات المتحدة قد انتهى بلا رجعة، مهما كانت نتائج الانتخابات الأمريكية.

مسار طويل قطعه رائع باراك أوباما

لقد كانت هاريس، ولا تزال بالرغم من كل شيء، هي ثمرة المسار الطويل الذي قطعه الرائع باراك أوباما، الأسود الفقير الذي لم يكن يملك مسكنًا حتى سنوات قليلة مضت. باراك حسين أوباما، الطفل المولود لأب كيني وأم أمريكية، ولحسن الحظ حملته أمه إلى الولايات المتحدة ليصبح رئيسها. ولو ظل في كينيا أو حتى أخطأت أمه وعاشت به في بلد عربي، لكان مصيره كحال ملايين السود في كل الدول العربية الذين لم نرَ من بينهم وزيرًا في أي حكومة عربية حتى الآن.

فقد نجح أوباما ليس فقط في إقناع طيف واسع من الفاعلين في السياسة الأمريكية بأفكاره التي تتحدى مزاعم صدام الحضارات ونهاية التاريخ، بل نجح بصبر وفي صمت في تغيير بنية الحزب الديمقراطي الأمريكي، وجعله حزباً يسارياً معتدلاً، قاطرة تدفع بالولايات المتحدة للخروج من سيطرة البيض الساكسون المتطرفين والعنصريين، سواء حدث ذلك عاجلاً أم آجلاً. والولايات المتحدة، وهي أقوى دولة في العالم وأغناها وأكثرها تحكماً بمصائر الكوكب، شئنا أم أبينا، ومن يحكمها يحكم العالم.

إن ظهور كامالا هاريس بقوة على الساحة السياسية الأمريكية، ومواجهتها الشرسة لخصم عنصري وشرير مثل دونالد ترامب، قد أعاد الحياة للحريات الأربع التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في 6 يناير 1941. وهي حريات بات العالم على مقربة من تحقيقها، سواء شاء الحكام المستبدون أم أبوا، وهي: حرية الرأي والتعبير، حرية العبادة، التحرر من الحاجة، والتحرر من الخوف.

روح ملهمة ظهرت في سماء البيت الأبيض

لن أقول إن هاريس، سواء كانت داخل البيت الأبيض أو خارجه، هي من ستمد يدها مباشرة للمستضعفين في العالم لتمنحهم هذه الحريات، فهذا قد يكون خارج إرادة واستطاعة أي رئيس أمريكي يعمل ضمن نظام ومؤسسات تربطها علاقات عميقة بالأنظمة الاستبدادية حول العالم. بل إن هاريس ستكون بمثابة روح ملهمة ظهرت في سماء البيت الأبيض، وبصرف النظر عن النتائج، فإن هاريس ومن سيأتي بعدها ممن تأثروا بأفكار باراك حسين أوباما، سيستمرون في نضالهم من أجل تغيير البنية التحتية للمشهد السياسي في الولايات المتحدة، مما سينعكس بالتأكيد على باقي كوكب الأرض.'

تاريخًا حافلاً بالعنصرية والإبادة الجماعية

عبر إيلون ماسك، بوجهه الذي يجسد العنصرية البيضاء الساكسونية، عن مخاوف هذه الفئة التي ينتمي إليها، ووضع كل إمكانياته في خدمة حملة ترامب، أسوأ تجسيد للعنصرية الأمريكية ليس تجاه غير الأمريكيين فحسب، بل تجاه الأمريكيين أنفسهم من غير البيض الساكسون. ولكن المؤكد، وبصرف النظر عن النتائج، أن هاريس قد فتحت الباب أمام اختراق نوعي غير مسبوق في تاريخ الإنسانية. هذا الاختراق سيُحقق عندما تصبح الأغلبية في الولايات المتحدة من غير البيض الساكسون (الواسب)، وهو اختصار يحمل في طياته صفات عنصرية متعالية. فقد قدم هؤلاء البيض الساكسون، منذ تأسيس الولايات المتحدة، تاريخًا حافلاً بالعنصرية والإبادة الجماعية، بدءًا من إبادة الهنود الحمر، وصولًا إلى استرقاق الأفارقة وقصف اليابان بالقنابل الذرية ودعمهم للكيان الصهيوني في جرائمه ضد الفلسطينيين.

التغيير يأتي دائما من الجانب الأضعف

إن وجه هاريس الذي لا نملك إلا أن نحبه وهو يظهر لنا في الأخبار هو الوجه الذي نبحث عن ملامح شبيهة له في بلادنا المنكوبة بالإحباط والفشل والفقر، حتى نعطي قدوة في التغيير السياسي، وأن هذا التغيير يأتي دائما من الجانب الأضعف وليس من الجانب الأقوى. فالطفلة هاريس التي كانت تبكي في غرفتها بدون أن يشعر بها أبويها لأن الجيران منعوها من اللعب من ابنائهم البيض في الحي، والتي ارتادت مدرسة مخصصة للملونين، هى الآن المرأة القوية التي تحدت كل البيض الساكسون في أعظم ملحمة إنسانية ما كان يمكن أن يتخيلها أحد قبل عقد واحد من الزمان .

محمد مختار

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً