ads
ads

أكتب لكم عن عمر ... الفنان الشاب الذي اكتشف أن المسرح يُنقذ الأرواح

محمد مختار
محمد مختار

في كل حي مصري، هناك شاب يشبه “عُمر سيد”؛ شاب لا يملك واسطة، ولا يعرف طريقًا ممهدًا إلى حلمه، لكنه يمتلك شيئًا أثمن: قلبًا يرفض الهزيمة.

عُمر سيد لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، بل وُلد وفي جيبه أمل صغير. التحق بمدرسة متوسطة للثانوية الفنية ، وتخرج منها، وقرر أن يحاول، أن يكمل، أن يصل إلى “الجامعة” التي كانت بالنسبة له مثل جبلٍ شاهق يتسلقه بيديه العاريتين.

في أول محاولة، سقط. لم “يكرمه” الله كما يقول هو بعفويته. والناس — كعادتهم — لم يرحموا. هناك من شمت، وهناك من قال “ما كانش قده”.

لكن عُمر لم يلعن الظروف. جلس وحيدًا، مكتئبًا، محطمًا، ثم نهض. اشتغل. تعب. وفعل شيئًا قليلون يملكون شجاعته: أعاد المحاولة.

وفي السنة التالية، نجح في “المعادلة”، وانتقل إلى كلية التجارة. قال لنفسه يومها: “أنا انتصرت.”

ولم يكن الانتصار في ورقة القبول، بل في كونه هزم نفسه القديمة.

من الخوف إلى الضوء

عُمر كان يخاف من الناس. مجرد أن يتكلم أمام أحد، كان وجهه يتغير وصوته يرتجف.

لكن القدر، كما يبدو، كان يُعد له مسرحًا أوسع.

رأى إعلانًا عن “فريق إيهاب سالم المسرحي”. لم يكن ممثلًا، بل كان “بيغني”. قرر أن يذهب ليغني.

لكن عندما وقف في الأوديشن، خذله صوته. الخوف أغلق الحنجرة، ففتح له القدر بابًا آخر.

قال بخجل:

— ممكن أمثل؟

وربما ضحك البعض، وربما تجاهله آخرون، لكن المدهش أنه “اتقبل”.

من تلك اللحظة، وُلد عمر جديد. لم يكن يعرف أنه يدخل طريقًا سيُغيّر كل شيء في حياته.

العرض الأول: “خطط المجهول”

كان أول عرض له بعنوان “خطط المجهول”، والعنوان وحده كان يشبه حياته: المجهول الذي خطط له القدر.

دخل المسرح وهو خائف، وخرج منه وهو حيّ.

اكتشف أنه يحب التمثيل، ليس لأن التصفيق جميل، بل لأن التمثيل كان بالنسبة له علاجًا.

كل جرحٍ داخله كان يُشفى على الخشبة.

كل خوفٍ كان يذوب في ضوء الكشافات.

ومن هناك بدأت الرحلة.

“سجن مع إيقاف التنفيذ”: الضحك بعد الألم

بعد نجاح عرضه الأول، جاء عرضٌ آخر مختلف: “سجن مع إيقاف التنفيذ”.

كان الدور كوميديًا. تخيل شابًا كان يخاف أن يتكلم أمام الناس، فإذا به يُضحكهم على المسرح!

كان يضحك، ويضحكون، لكن في قلبه كان يبكي من الفرح.

وفي نهاية أحد العروض، قال له المخرج إيهاب سالم جملة لم ينساها:

“التمثيل جنبك متعة.”

كانت جملة بسيطة، لكنها غيّرت ميزان حياته.

لأول مرة، يشعر عمر أن له قيمة، أن هناك من يراه.

“الاستعراض الأخير”... الخطوة الجديدة

اليوم، يقف عمر سيد على خشبة مسرح جديدة، في مسرحية “الاستعراض الأخير”.

لكنه هذه المرة ليس مجرد ممثل. إنه أيضًا “مساعد مخرج”، يصمم الحركة، يفهم الإخراج، ويدير المشهد.

يتعلم كيف يُمسك المسرح من جانبيه: كممثل، وكمنظم للحلم.

يقول مبتسمًا:

“دلوقتي بقيت فاهم يعني إيه إخراج، وإيه تصميم حركة، وبقيت مبسوط… وخوفي من الناس راح.”

ذلك الخوف القديم، الذي كان يُغلق صوته، أصبح الآن وقودًا يُشعل حضوره على الخشبة.

عمر سيدعمر سيد

الفن علاج

عُمر لم يدرس علم النفس، لكنه اكتشف ما لم يكتشفه علماء النفس بسهولة: أن الفن علاج.

المسرح شفى روحه.

المسرح جعله يحب الحياة، يحب الناس، ويحب نفسه.

كان يقول: “أنا بقيت فيا روح… لأن المسرح دا روح الإنسان.”

تلك العبارة وحدها كفيلة بأن تُكتب على جدران كل مسرح في مصر.

أمه وأخته… الجنود المجهولون

وراء كل شاب ناجح أمٌّ تُصلي له في صمت.

كانت أمه، كما يقول، “أكبر داعم ليَّ هي وأختي”.

لم تتركه يسقط، كانت تُذكّره دومًا بأنه “يقدر”.

وحين عاد إلى البيت بعد كل عرض، كانت تنتظره بعينين فيهما دموع الفخر.

كلمة شكر… وموعد مع الحلم

في نهاية حديثه، لا ينسى أن يقول:

“أكتر حد عاوز أشكره بجد هو أستاذ إيهاب، وولدتي، لأن من غيرهم كنت هفضل كده… دافن نفسي.”

لكن الحقيقة أن عُمر لم يكن ليدفن نفسه أبدًا. كان فقط ينتظر من يمد له يده لينهض.

وحين تسأله الآن: “إيه حلمك؟”

يبتسم ويقول بثقة:

“نفسي أكون مع منى الشاذلي، وأحكي قصتي، وأهلي يفتخروا بيا.”

النهاية التي لم تبدأ بعد

حين يكتب التاريخ قصص الممثلين الكبار، ربما يمر سريعًا على الأسماء اللامعة، ويغفل أسماء صغيرة بدأت من الصفر.

لكن في كل شاب مثل عمر، هناك “أحمد زكي جديد” ينتظر فرصة.

في كل خشبة مسرح صغيرة، هناك بطل حقيقي يتدرّب على أن يُحب الناس، لا أن يُرضيهم.

عُمر سيد ليس مجرد ممثل شاب من كلية التجارة.

إنه حكاية جيلٍ يتعلّم من سقوطه، ويحوّل الخوف إلى فن، واليأس إلى ضوء.

ولعل أجمل ما في قصته أنه لم يعد يخاف من الناس…

بل صار الناس ينتظرون أن يروه على المسرح، ليصدقوا معه أن الفن — حقًا — حياة.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
استمرار العمل بأسعار عائد 3% و8% في مبادرات التمويل العقاري السابقة