أزمة سد النهضة وحلم إريتريا في الزعامة الإفريقية.. تفاصيل المراوغة الجديدة لإثيوبيا

رئيس إريتريا
رئيس إريتريا
كتب : سها صلاح

تزامن بداية هذا الشهر، حدثان غاية في الأهمية، ولكنهما اختفيا خلف ركام الأحداث المتسارعة، وهما زيارة الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، للقاهرة، وكذلك استقباله لرئيس الوزراء الإثيوبي في أسمرا.

تحاول إريتريا لعب دورًا في أزمة سد النهضة، وتطفو على سطح الأحداث رويدًا رويدًا، محاولة أن تمسك العصا من المنتصف، بعد الأحداث السياسية العنيفة التي شهدتها، بداية الشهر الجاري، حيث حل رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في العاصمة الإريترية، أسمرا، في زيارة عدها المراقبون 'مفاجئة'، نظرًا لعدم الإعلان عنها مسبقاً بشكل رسمي، كما أنها تزامنت مع زيارة الرئيس الإريتري الخامسة، بداية الشهر أيضًا، إلى مصر منذ 2013 والـ25 منذ استقلال بلاده، وفقًا لما أعلنه المتحدث باسم الرئاسة المصرية، وجاءت هذه الزيارة في إطار دبلوماسية نشطة ينتهجها الرئيس الإرتري مؤخرًا، في سياق مجموعة من المحددات والتحديات الداخلية والخارجية.

وسبقت تلك الزيارات زيارة مماثلة للسودان، التقى خلالها برئيس مجلس السادة السوداني ومجموعة من الوزراء ومسؤولي المرحلة الانتقالية، والتي تم التباحث خلالها في العلاقات الثنائية بين البلدين والتحديات الإقليمية التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي.

اقرأ أيضاً: هل يعاقب ترامب إثيوبيا بعد بدء ملء سد النهضة؟.. أعضاء بالكونجرس: علينا الوقوف بجانب مصر في هذا الشأن"

غياب وعودة نشطة

وتقول صحيفة 'أفريكوم تي' الأفريقية، إن هذا النشاط الدبلوماسي لأفورقي، بعد غيابه لنحو شهرين عن الساحة الداخلية، تأتي في إطار رغبته في إيصال رسائل للداخل والخارج، تفيد باستمرار إحكامه السيطرة على مقاليد الأمور داخليًا واستمرار نشاطه في الدبلوماسية الإقليمية، وبغض النظر عن الدوافع الشخصية للرئيس الإريتري لهذا النشاط الدبلوماسي، فإن السياق الحالي هو من يدفع للبحث عن محددات ودلالات التحركات الإريترية الأخيرة، التي يُجمع الغالبية على ارتباطها بالمسار المتعثر لمفاوضات سد النهضة.

وسعى أفورقي للعب دور في هذا الصدد، خاصة مع زياراته المتتابعة للدول المعنية الثلاث، بما يثير تساؤلًا آخر حول إمكانية لعب إريتريا هذا الدور، في ظل التحولات والتفاعلات الجارية في منظقة القرن الإفريقي، والتي لا تنفصل عنها السياسة الإريترية، فضلًا عن تحديات أفورقي المتصاعدة في الداخل وارتباطها بمستقبل حكمه.

اقرأ أيضاً: في لهجة استفزازية.. وزير الخارجية الإثيوبي: "أصبح لدينا بحيرة ولن تتدفق مياهها نحو النيل"

ويشهد القرن الإفريقي جملة من التحولات، سواء فيما يتعلق بتحولات الداخل في دول الإقليم كافة، أوما يتعلق بالتفاعلات البينية بين دوله المختلفة، فضلًا عن قضايا الأمن الإقليمي التي تحكم منظومة التعاون، وتشكل مواقف الدول تجاهها؛ كقضايا الإرهاب والقرصنة واللجوء وأمن البحر الأحمر والتعاون في إطار حوض النيل، فضلًا عن التغير المناخي.

ماذا تحاول إريتريا فعله؟

وعلى ذكر علاقة إريتريا بمحيطها الإقليمي، فقد انعزلت عنه عقب استقلالها مباشرة؛ إذ انتهجت سياسة خارجية تتسم بالتناقض مع كافة جيرانها، بداية من إثيوبيا التي استقلت عنها، وجرت بينهما حربًا حدودية طاحنة، مرورًا بسودان البشير، الذي اصطف لمحور إثيوبيا في مواجهة محورإريتريا- مصر، وصولًا إلى الخلافات الحدودية مع كل من جيبوتي والصومال، التي ساهم الموقف الإريتري إزائها في فرض العقوبات الأممية عليها؛ بدعوى دعمها لحركة الشباب المجاهدين الصومالية، وفي ذلك التوقيت من العزلة الإقليمية، اتسمت العلاقات المصرية الإريترية بدرجة عالية من التقارب والتنسيق في الكثير من الملفات والقضايا الإقليمية.

اقرأ أيضاً: صحيفة تركية: إثيوبيا تطلب من تركيا التوسط في أزمة سد النهضة

واستمرت هذه العزلة حتى صعود آبي أحمد إلى سدة الحكم في الجارة الإثيوبية، وتبنيه سياسة خارجية تقوم على مبدأ تصفير المشاكل في محيطه الإقليمي، وتم الترويج لهذا التوجه بداية باعتباره انفتاح إثيوبي إقليمي، وتوجه ناحية السلام إلى أن تكشفت في نهاية الأمر دوافع هذه السياسة، المدفوعة برغبة إثيوبية نحو الصعود كقوة إقليمية في البحر الأحمر وحوض النيل، وتصفير المشكلات الإقليمية للتفرغ للمواجهة مع مصر.

واتصالًا بهذا المشهد والرغبة في الانفتاح الإقليمي، عقد آبي أحمد وأفورقي اتفاقًا للسلام بينهما عام 2018؛ الذي وفقًا له تم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وفتح الحدود بشكل مؤقت، وتجاوز خلافات الماضي، وبموجبه حصل الأول على جائزة نوبل للسلام، وتأسيسًا على خطوة اتفاق السلام، رعت إثيوبيا قمة ثلاثية في سبتمبر من نفس العام بأسمرة، بين كل من آبي أحمد وأسياس أفورقي والرئيس الصومالي محمد فرماجو، وذلك لاستئناف العلاقات الإريترية الصومالية، هذا بالإضافة إلى اتفاق إريتريا وجيبوتي في ذات التوقيت، على تطبيع العلاقات بينهما بعد نزاع حدودي على منطقة 'كيب دوميرا' أدى إلى اشتباكات عسكرية وإنشاء عملية لحفظ السلام.

اقرأ أيضاً: أهمية استراتيجية لإثيوبيا ومصر.. لماذا تسعى دول العالم إلى بناء قواعد عسكرية في جيبوتي؟

ورغم هذا التحول الإقليمي، إلا أنه حتى الآن لم يحدث اختراقًا قويًا في العلاقات البينية بين الدول، فلم يحضر أفورقي حفل توقيع الوثيقة الدستورية بالسودان، والتي أشارت تقارير إلى أنه جاء وفقًا لتنسيق مع الجانب الإماراتي الذي لم يحضرهو الآخر، رفضًا لدور الوساطة الذي قام به آبي أحمد.

كما أنه لم يحدث تحول نوعي كبير في العلاقات بين إريتريا وجارتيها جيبوتي والصومال، والأهم من ذلك، مآلات اتفاق السلام، الذي لا يرى الكثيرين في الداخل الإريتري مردودًا إيجابيًا له، بالإضافة إلى عودة إريتريا لإغلاق الحدود مع إقليم التيجراي، بما فاقم من غضب التجيراي على سياسات آبي أحمد الداخلية.

أثيوبيا تحاول الحفاظ على ماء وجهها من خلال إريتريا

علاقات إريتريا مع إثيوبيا تؤهلها لأن تقوم بدور تمهيدي للتراجع الإثيوبي، بشكل مقبول، ثم إعادة ترتيب المتعلق بالاستفادة من حصص كلّ الأطراف في مياه النيل بصورة مقبولة وعادلة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن توقيت الزيارة لأسمرا، يتزامن مع الذكرى الثانية لتوقيع اتفاق السلام بين إريتريا وإثيوبيا، بعد عقدين من حالة 'اللاحرب واللاسلم'، وهي المناسبة التي استغلها وزير الإعلام الأريتري، يماني قبر مسقل، في وقت سابق، لتوجيه انتقادات لمسار التسوية السلمية بين بلاده وجارتها، مؤكداً وجود 'تعثّر واضح في تطبيق بنود الاتفاقية' الموقَّعة في كل من جدة وأبو ظبي، معتبراً 'بقاء الأراضي الإريترية تحت الاحتلال الإثيوبي، حتى الوقت الحالي، تعثراً في مسار التسوية، المنصوص عليها في اتفاقتي السلام'.

وبخصوص سد النهضة، كشفت وزارة الخارجية المصرية تفاصيل ما حدث بالقمة الأفريقية المصغرة لمناقشة ملف سد النهضة التي عقدت الثلاثاء الماضي، وقالت الخارجية إن القمة أكدت على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً حول ملء وتشغيل سد النهضة.

وصرح أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، بأن القمة أكدت على ضرورة التوصل إلى اتفاق مُلزم يتضمن آلية قانونية مُلزمة لفض النزاعات يحق لأي من أطراف الاتفاق اللجوء إليها لحل أي خلافات قد تنشأ مستقبلاً حول تفسير أو تنفيذ الاتفاق، موضحاً أنه تم خلال القمة تأكيد ضرورة تركيز المفاوضات على سد النهضة باعتباره سداً لتوليد الكهرباء غير مُستهلك للمياه، وعدم إقحام أي موضوعات غير ذات صلة بالسد أو طموحات مستقبلية في عملية المفاوضات.

مساع لحل أزمة سد النهضة

على المستوى الإقليمي؛ يرى الموقع الأفريقي أن 'خصوصية العلاقات بين إريتريا والأطراف المعنية بأزمة نهر النيل، ومشروع سد النهضة (السودان ومصر وإثيوبيا) يمكن أن تسمح لأسمرا للقيام بدور إيجابي تجاه التوصل للحل العادل، ضمن مبادرة الاتحاد الأفريقي المسنودة أممياً، مع النظر إلى التحالفات الإقليمية، التي تنتظم فيها كلّ الأطراف المذكورة، بما فيها إريتريا، عليه يمكن القول إنّ إريتريا لاعب أساسي ضمن فريق يضمّ كل الأطراف (مصر والسودان وإثيوبيا) إضافة إلى المحيط الأفريقي والعربي ثم الدولي'.

وعن وجود مبادرة إريترية حول أزمة السد، موازية للمساعي الأفريقية، بقيادة رئيس جمهورية جنوب أفريقيا، قال الكاتب بالموقع الأفريقي: 'لا أرى ما يمكن أن يعدّ مساراً موازياً للجهود الأفريقية، لكن، كما أسلفنا، خصوصية علاقات إريتريا مع إثيوبيا الآن، تؤهلها لأن تقوم بدور التمهيد للتراجع الإثيوبي، بشكل مقبول، ثم إعادة ترتيب المتعلق بالاستفادة من حصص كل الأطراف في مياه النيل بصورة مقبولة وعادلة، كما أنّ إريتريا قادرة على فتح الانغلاق في سير التفاهمات، للأسباب الخاصة بالعلاقات الثنائية مع كلّ طرف من الأطراف الثلاثة، وهذا ما كان واضحاً في التحركات الإريترية الأخيرة، تجاه كلّ من أديس أبابا والخرطوم والقاهرة'.

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً