في ظل التغيرات الثقافية والتكنولوجية المتسارعة، تواجه الهوية المصرية تحديات متزايدة في ظل تأثيرات العولمة والانفتاح الإعلامي، ولعل الدراما والإعلام هما من أكثر الأدوات التي تعكس الثقافة والهوية الوطنية، إذ يحملان القدرة على التأثير في الوعي الجمعي، خاصة لدى الشباب، حيث أصبحت وسائل الإعلام والدراما من أهم الأدوات التي تشكل وعي الجمهور وتؤثر في توجهاته الثقافية والاجتماعية، وفي هذا الإطار، جاء قرار الحكومة بتشكيل لجان متخصصة لمتابعة وتعزيز الهوية المصرية في المحتوى الإعلامي والدرامي، حيث تزداد أهمية المحتوى المحلي في الحفاظ على القيم والتراث الوطنيين، وفي مواجهة التأثيرات الثقافية العالمية التي قد تؤثر على الهوية المحلية، ومن ثم تسعى الحكومة من خلال هذه اللجان إلى وضع معايير وضوابط للمحتوى الذي يعرض على الشاشات، وتعزيز الحوار حول الهوية المصرية في وسائل الإعلام، بحيث يكون متماشيًا مع القيم والتقاليد المصرية، ويبتعد عن الظواهر السلبية مثل العنف والبلطجة التي أصبحت سمة بارزة في بعض الأعمال الدرامية، خاصة خلال الموسم الرمضاني، كما أنها تدعم الإنتاجات الفنية التي تسلط الضوء على التراث المصري الغني والمتنوع.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور حسن مكاوي، العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، إن تشكيل لجان متخصصة لتعزيز الهوية المصرية في المحتوى الإعلامي والدرامي يتناقض مع حرية الإبداع والتعبير، مشيرًا إلى أن مثل هذه اللجان "ليست ضرورية" وقد تعيق الإبداع الفني والإعلامي، موضحا أن الإعلام يعادل حرية التعبير، ولا ينبغي فرض قيود أو شروط على العمل الإعلامي إلا في حالات انتهاك الخصوصية، أو المساس بالأعراض، أو الأمور التي يعتبرها القانون جرائم، وأن الإبداع الإعلامي والدرامي يجب أن يكون مكفولًا دون تحديد موضوعات أو أطر محددة مسبقًا.
وأضاف العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أن الإعلام يؤدي دورًا رئيسيًا في التوعية وتقديم المعلومات الصحيحة ورفع مستوى الوعي الثقافي والذوق العام، مؤكدًا أن تعزيز الهوية المصرية والانتماء الوطني يتحقق من خلال تقديم محتوى جاد يعكس قضايا المجتمع الحقيقية وإنجازات الدولة، دون الحاجة إلى لجان تفرض رقابة على الإبداع.
وتساءل "مكاوي"، عن كيفية سيطرة هذه اللجان على المحتوى الإعلامي المتنوع، سواء في القنوات الحكومية مثل "ماسبيرو" أو القنوات الخاصة، أو حتى القنوات الأجنبية العاملة في مصر، مؤكدًا أن مثل هذه الخطوة ستواجه تحديات كبيرة نظرًا إلى تعقيدات السوق الإعلامي وتنوعه.
ولفت إلى أن مظاهر الإسفاف والبلطجة في الدراما المصرية ليست بجديد، لكن الجديد هو انتقاد الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا النوع من المحتوى، مما أثار اهتماما واضحا بالقضية.
وأعرب عن استيائه من هيمنة شركات الإعلانات في صناعة المسلسلات والمحتوى الإعلامي، معتبرًا أن هذا الوضع غير موجود في الدول الأخرى، ودعا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إلى القيام بدوره في تنظيم السوق الإعلامي وفقًا للقانون.
وفيما يتعلق بتأثير هذه اللجان على جذب الإنتاجات الأجنبية إلى مصر، أكد "مكاوي"، أن هذه اللجان لن تؤثر على المحتوى الأجنبي، وسيبقى مستقلا عن قراراتها، مستشهدًا ببرنامج "رامز إيلون مصر"، الذي يعرض على قناة "mbc" السعودية، ولا يمكن إلغائها أو وقفها من قبل الجهات المصرية، مشيرًا إلى أن المنصات العالمية ستستمر في تقديم محتوى مختلف عن المعايير التي قد تفرضها اللجان، مؤكدا أن تعزيز الهوية المصرية يتحقق من خلال الالتزام بالقيم والمعايير المهنية للإعلام الجاد، الذي يرتقي بالذوق العام ويعكس قضايا المجتمع الحقيقية، مع توفير مساحة لتعدد الآراء والتنوع الفكري.
ومن جانبه، أكد الناقد الفني أحمد سعد الدين أن ظواهر العنف والبلطجة التي تظهر في بعض المسلسلات الرمضانية ليست جديدة، وستظل موجودة في عمل أو اثنين، باعتبار أن الأذواق الفنية متنوعة، كما أن "البطل الشعبي" يظل حاضرًا في الدراما، موضحًا أن دور اللجان المتخصصة في تعزيز الهوية المصرية بالمحتوى الإعلامي والدرامي يجب أن يركز على إعادة الدراما إلى مسارها الصحيح، من خلال تقديم تقارير توصي بإنتاج دراما اجتماعية تتناسب مع طبيعة الموسم الرمضاني، دون فرض قيود صارمة أو منع أي محتوى بشكل كامل، بل توجيه الصناعة نحو أعمال تتماشى مع مفردات الشهر الكريم.
وشدد الناقد الفني، في تصريحات خاصة لـ "أهل مصر"، على أن عمل هذه اللجان يجب أن يبدأ بالاهتمام بالمؤلف، باعتباره الركيزة الأساسية لأي عمل درامي، مشيرا إلى أن كتّابًا مثل أسامة أنور عكاشة نجحوا في إبراز الهوية المصرية في أعمالهم، مما يعني أن الحل يكمن في دعم المؤلفين الموهوبين والمثقفين القادرين على صياغة أعمال تحمل قيم المجتمع وهويته.
وأشار "سعد الدين"، إلى أن الهدف الأساسي للدراما التلفزيونية منذ نشأتها كان الارتقاء بالذوق العام، مع ضرورة الحفاظ على العادات والتقاليد المجتمعية، مبينًا أنه عند تقديم أي عمل للجمهور، لا بد أن يحتوي على عناصر ترفيهية، وتثقيفية، وتوعوية، وهو جوهر الدراما الحقيقي، متسائلًا عن الجهة القادرة على تحقيق ذلك، مجيبًا أن الكاتب أو المؤلف المثقف، وليس مجرد الحرفي، هو القادر على تقديم محتوى درامي متوازن يجمع بين الإبداع والترفيه والقيم المجتمعية.