في تطور جديد يعكس التحولات الجيوسياسية الجارية في قطاع غزة، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن إسرائيل باتت تسيطر فعليًا على ما يقرب من 30% من أراضي القطاع، وهو ما يُعدّ أحد أوسع أشكال التمدد الإسرائيلي داخل غزة منذ اندلاع الحرب الأخيرة.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا التمدد يشمل مساحات إستراتيجية تمتد من شمال القطاع إلى جنوبه، وتتضمن مناطق زراعية وسكنية وبنية تحتية محورية. ويأتي ذلك في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتكثيف القصف والضربات الجوية، ومحاولات الجيش الإسرائيلي فرض واقع ميداني جديد على الأرض.
ووفقًا لما نقلته الصحيفة عن مصادر دبلوماسية مطلعة، فقد أبلغت الحكومة الإسرائيلية نظيرتها المصرية رسميًا بأنها تعتزم الإبقاء على وجود عسكري دائم على طول الشريط الحدودي بين غزة ومصر، المعروف بـ"محور فيلادلفيا"، في خطوة تهدف من وجهة نظر تل أبيب إلى منع تهريب الأسلحة وتعزيز السيطرة الأمنية.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة الإسرائيلية تُعد مخالفة صريحة لاتفاقيات أوسلو وترتيبات ما بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، حيث نصّت تلك الاتفاقيات على انسحاب كامل من القطاع، وعدم بقاء أي وجود عسكري إسرائيلي دائم.
ويثير الإعلان الإسرائيلي المخاوف من نوايا تل أبيب بشأن فرض أمر واقع طويل الأمد في غزة، يتجاوز العمليات العسكرية المؤقتة، ليتحول إلى شكل جديد من أشكال الاحتلال أو الوصاية العسكرية. كما يثير الأمر ردود فعل إقليمية ودولية، حيث اعتبرت مصادر في جامعة الدول العربية أن الخطوة "تنذر بإعادة احتلال غزة تحت غطاء أمني"، فيما طالبت مصر بإيضاحات رسمية حول طبيعة هذا الوجود وحدوده الزمنية.
من جهتها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق من المعلومات التي تفيد بنية إسرائيل فرض وجود عسكري دائم على الحدود الجنوبية للقطاع، محذّرة من تداعيات ذلك على المسار الإنساني والسياسي في غزة، خاصة في ظل أزمة إنسانية غير مسبوقة يعيشها السكان.
وفي الداخل الإسرائيلي، تباينت ردود الأفعال حول هذه الخطوة. ففي حين اعتبرها بعض قادة الأحزاب اليمينية انتصارًا أمنيًا ضروريًا لضمان عدم عودة حماس إلى الحدود مع مصر، حذّرت أصوات داخل الجيش والمؤسسة الأمنية من التورط في مستنقع أمني طويل الأمد داخل أراضٍ كثيفة السكان وتخضع لحساسية دولية.
وفي ظل استمرار العمليات العسكرية وتعثّر جهود التهدئة، يبدو أن الخريطة الجغرافية والسياسية لقطاع غزة تتجه نحو إعادة رسم شاملة، قد تُفضي إلى وضع أكثر تعقيدًا، حيث تقف غزة على مفترق طرق بين الاحتلال الدائم، أو انفجار إقليمي أوسع.