مع الرفض الفلسطيني الصريح والمعلن لخطة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والمعروفة بـ"صفقة القرن"، كثرت التساؤلات حول كيفية مواجهة الفلسطينيين لها بعد إعلانها رسميا والبدء في إجراءات تنفيذها على الأرض، فهل قد يكون سبيلهم في ذلك انتفاضة جديدة؟
وحول ذلك، يقول هيثم محمد، الخبير في الشأن الإسرائيلي، إن "اندلاع انتفاضة جديدة في فلسطين هو سيناريو مطروح، لكن لا أحد يستطيع الجزم بذلك"، مشيرا إلى أن "هناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة في هذا الشأن: إما أن تندلع انتفاضة، أو يكون هناك تصعيد عسكري على الحدود مع غزة، أو تنسحب السلطة الفلسطينية من جميع الاتفاقيات السياسية مع إسرائيل، ومنها اتفاقية أوسلو"، وأتمنى ألا يُقدم الفلسطينيون على أي من هذه السيناريوهات"، معللا ذلك بقوله "لأن الفلسطينيين إذا قاموا بانتفاضة مسلحة، فإن الظرف الإقليمي وكذلك الدولي ليس في صفهم".
وأضاف الخبير في الشأن الإسرائيلي أن "مدى قدرة الفلسطينيين على القيام بانتفاضة تحقق أهدافا، مرهون بمدى تعاطف الرأي العام الدولي والإقليمي، وكذلك مدى قدرتهم على الصمود أمام الآلة الإسرائيلية، وذلك لن يحدث، وسنجد بعد ذلك اقتحامات للأحياء الفلسطينية واعتقالات وما إلى ذلك، وفي نهاية المطاف، فإن القرارات السياسية التي يتخذها الأمريكان ولديهم القدرة على فرضها على الأرض هي ما تسري".
واعتبر "محمد" أن سيناريو حل السلطة الفلسطينية الذي هدد به الرئيس محمود عباس، حال إعلان الصفقة، هو بمثابة "عودة الصراع لنقطة الصفر من جديد وهذا ما تريده إسرائيل، فحدوث اشتباكات على الحدود مع غزة على خلفية اتخاذ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والتي أسفرت عن مقتل 61 شخصا وإصابة 2700 آخرين، لم تأتي بجديد؛ لأنه في نهاية المطاف ما حدث هو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس".
وتابع الخبير في الشأن الإسرائيلي: "للأسف الشديد، الفلسطيني اليوم واقع في مصيدة والخيارات أمامه ليست كثيرة، وأتمنى ألا يُصعّد، وأتمنى أن يحاول الوصول إلى مقاربة سياسية وعدم الدخول في أي صدام عسكري؛ لأنه إن حدث ورفض الفلسطينيون صفقة القرن، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التوسع الاستيطاني، وضم غور الأردن، الذي يمثل 40% من مساحة الضفة الغربية، ولن تقتصر المسألة عند هذا الحد؛ فالتطبيع بين إسرائيل والخليج يتم في إطار متوازي مع خطة القرن بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ففي حال رفض الجانب الفلسطيني الصفقة، سيستمر التطبيع بيت إسرائيل والخليج، وليس مستبعد ترجمته في خلال الشهور القادمة لاتفاقيات عدم اعتداء مشترك وغيرها من الاتفاقيات، فسيصبح الطرف الفلسطيني خاسر اقتصاديا وخاسر سياسيا وخاسر عسكريا، وعلى الجانب الآخر إسرائيل تحقق كل ما تريده"، مستنتجا أن "أي خيار مغاير لسير الفلسطينيين مع صفقة القرن ستكون نتائجه كارثية للأسف الشديد، وهذا هو الواقع على الأرض، وحينها لن يكون هناك كروت في يد المفاوض الفلسطيني".
وتابع: "كان الإسرائيليون يقولون إن السلام مع الفلسطينيين هو مفتاح التطبيع مع بقية العالم العربي، وهذا أول كارت سيفقده الفلسطينيون، وكان الوزراء الإسرائيليون، ومنهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، خلال الستة أشهر الماضية، يجرون زيارات إلى دول عربية، وكل شهر تجد أن وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، يخرج في زيارات إلى دبي، فهذا يعني أن فكرة عدم قدرة الفلسطينيون دخول الخليج إلا من خلال إسرائيل هي كارت آخر يخسره الفلسطينيون، والأكثر من ذلك، أنه عندما يُصعّد الفلسطينيون عسكريا فإنهم سيفقدون كل ما تبقى لهم مما أنجزوه من مشاريع أو مدارس وغيره، فسيكون كل ذلك عرضة للتدمير من جديد".
ويرى "محمد" أن "المتاح للفلسطينيين الآن هو الاطلاع على مقترحات الصفقة كاملة وتقديم رؤية تتقارب مع الرؤية الفلسطينية، فإن قالوا "لا" مباشرة فإنهم بذلك يكونون فعلوا لـ نتنياهو ما يريد، وإن قرروا القيام بانتفاضة واشتباكات عسكرية، فإنهم بذلك يقدمون لنتنياهو ما يريده؛ فنتنياهو موقفه في الانتخابات سيء ويواجه لوائح اتهام، ولكي يفوز بالانتخابات فإنه يتبنى نظرية أنا سيد الأمن القومي وأنا من سأحمي الإسرائيليين من الفلسطينيين".
واعتبر الخبير في الشأن الاسرائيلي أن "عملية واحدة في القدس أو في الضفة أو غيرها ستوفر لـ نتنياهو ذريعة استخدام القوة العسكرية بشكل مهول، وذلك أمام ضعف فلسطيني حقيقي كي نكون واقعيين، وسيستثمر "نتنياهو" كل ذلك انتخابيا، فالأصوات المتشددة ستكون في صفه، وهو يريد توجيه ضربة لائتلاف "كاحول- لافان" بزعامة بيني جانتس، الذي يستحوذ على أصوات الوسطيين وبعض أصوات اليمين، فسبيله لذلك هو القول بضم غور الأردن والحفاظ على أمن إسرائيل والقدرة على التصدي عسكريا للفلسطينيين".
واختتم بقوله "ولذلك، فالفلسطيني ليس أمامه غير الاطلاع على تفاصيل الصفقة كاملة وتقديم رؤيته فيما يتعلق بضرورة أن تكون المباحثات غير قاصرة على الطرف الأمريكي، فتشمل أيضا ضم روسيا والاتحاد الأوروبي والدول العربية (المعتدلة)، وفي هذه الحالة بإمكانه الوصول إلى رؤية متوازنة".
(من العدد الورقي)