اشتهرت بعض مراكز محافظة البحيرة برحلات الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا، خاصةً مراكز: رشيد، وإيتاي البارود، وكوم حمادة، وذلك نظرًا لموقعهم الجغرافى المتميز على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وقربها من الدول الأوروبية وفى مقدمتها إيطاليا.
وكشف محمد البدري، أحد أهالي مركز رشيد ومتطوع في أحد المشاريع الخيرية التي تعمل على الحد من الهجرة غير الشرعية، كواليس رحلات الهجرة غير الشرعية، وذلك من خلال طبيعة عمله في هذا الشأن، حيث يقول: «في بداية العمل التطوعي، كنت اتساءل: هل هناك أطفالًا بالفعل تحت سن 18 عامًا يسافرون في رحلات الموت التي تظل لفترات طويلة في عرض البحر مع احتمال الغرق والموت أكثر من احتمال الوصول؟ وكان هذا السؤال يشغلني حتى بداية العمل التطوعي في المعيشة في القرى الريفية المستهدفة بمحافظة البحيرة مثل مراكز رشيد وإيتاى البارود وإدكو وبدر وكوم حمادة للبدء في التوعية ومعرفة أسباب زيادة انتشاره».
البحث عن المال
وأوضح البدري، أنه في البداية تم تدريب المتطوعين من الشباب على الفئات المستخدمة من سماسرة الهجرة الغير شرعية وكانت الفئات هي الشباب وبعض كبار السن، يتم تهريبهم للعمل في أي مجال بهدف الحصول على أموال وإرسالها إلى أهاليهم في مصر، ومنهم من يحالفهم الحظ ويتزوج من سيدة أجنبية للحصول على الإقامة، حتي اصطدم بالكارثة عندما تم تدريبهم في السنوات الأخيرة على كيفية حماية الأطفال من الهجرة الغيرة شرعية، بسبب قلة فرص السفر للكبار والشباب وتشديد الإجراءات من الدول.
وأضاف أن ظاهرة هجرة الأطفال المهاجرين بطريق غير شرعي بدأت في الانتشار منذ ما يقرب من 15 عامًا، والسبب في ذلك أن دول الاتحاد الأوروبي مجبرة على استقبال الأطفال وعدم ترحيلهم واعتبارهم أطفال معرضين للخطر في بلادهم، ويتم استقبال هؤلاء الصغار بعد التأكد من سنهم وإرسالهم إلى دور رعاية لتعليمهم اللغة والسلوك وبعض الأعمال التي تناسب أعمارهم وتخصيص سوق عمل لهم وصرف مبالغ مادية وإجازات ونزهات لهم، ومع انتشار هذه المعلومات بين الأهالي في القرى تزايد إقبال سفر الأطفال للخارج.
تهريب الأطفال
وتابع أن هذه المعلومات تسرّبت للأهالي من خلال الشباب المهاجرين للخارج أثناء عودتهم للقرى مرة أخرى عن طريق السماسرة، وظلت المعلومات تتداول في القرى بين الأهالي والمناطق التي تشتهر بالهجرة، مشيرًا إلى أن عملية تهريب الأطفال تتم من خلال خطوات محددة وهي توفير مبلغ مالي لا يقل عن 40 ألف جنيه ويتم دفع جزء من المبلغ قبل السفر وباقي المبلغ بعد نجاح عملية الهجرة سواء من خلال التوقيع علي إيصالات أمانة بباقي المبلغ أو توقيع رب الأسرة على عقد بيع المنزل، وأقل تكلفة للهجرة الآن لا يقل عن 60 ألف جنيه، وتتم عملية الاتفاق بين الأهالي وبين وسيط السفر أو السمسار وغالبًا يكون من نفس القرية التي تقوم بتهريب أطفالها، لافتًا إلي أنه أثناء العمل اكتشف أن الوسيط من الممكن أن يكون مدير المدرسة أو مدرس أو عمدة البلد، حيث يقوم بجمع مجموعة من الأطفال وإيصالهم للسمسار المنظم للرحلة ويقوم بالجمع من عدد كبير من القري علي مستوي الجمهورية في شكل مجموعات وبعد اكتمال العدد المطلوب والذي يتراوح ما بين 100 إلي 300 طفل يتم احتجازهم في مكان قريب من البحر يطلق عليه التخزين أو المخزن.
وأوضح، أن «السمسار في الوقت ده بيكون رتب أموره مع صاحب المركب الذي سيحملهم إلي الخارج وينتظرهم في عرض البحر حتى وقت محدد ثم يتم أخذ مجموعات الأطفال والنزول بهم البحر بعد حجب كافة متعلقاتهم الشخصية، وإذا كانت المسافة كبيرة بين المخزن وبين البحر يتم تحميلهم في سيارات نقل وتغطية السيارة، ثم الوصول إلى البحر وتحميلهم علي زوارق بلاستيك حتى لا يتمكن الرادار من اكتشافهم والوصول إلى منتصف البحر أمام مركب من المراكب المسموح لها بالصيد والتحرك بسهولة في المياه الدولية، ويتم استلام الأطفال ووضعهم فى ثلاجات السمك، في ذات الوقت يقوم صاحب المركب بتقديم بلاغ للشرطة عن سرقة المركب حتي إذا فشلت العملية يخلي نفسه من المساءلة القانونية».
ضربٌ وتهديدات
ولفت البدري، إلى أنه قبل الرحلة بحوالي أسبوع في فترة حجزهم في المخزن وأثناء تواجدهم على المركب غذائهم عبارة عن قطع خُبز مع مياه ويتم توزيع الطعام والمياه على مجموعة من الأطفال، بالإضافة لعدم وجود غطاء أثناء النوم والترحيل حتى في مواسم الشتاء، مؤكدًا أن الأطفال تقوم باحتضان بعضهم البعض حتى يمكنهم النوم وتدفئة بعضهم، بالإضافة إلى معاملتهم بأسلوب غير آدمي من قائد الهجرة والمسئولين عن المركب وعند قيامهم بالاعتراض يتم تعرضهم للضرب وتهديدهم بإلقائهم في البحر وإذا توفي أحدهم يتم إلقاؤه في البحر بدون تفكير.
واستكمل أن المركب يبدأ رحلته حتى يقترب من المياه الإقليمية الأوروبية، وهنا يقوم قائد الهجرة بوضع الأطفال في زوارق مطاطية حتى يتم توجيههم إلي الشواطئ ومعهم مسدسات إشارة لاستخدامها في حالة غرقهم أو ضربها في حفر السواحل لقيام قوات الإنقاذ بإنقاذهم، بعد عودة المركب مرة أخرى إلى مصر، أو في حالة عدم إمكانية عودة المركب لمصر مرة ثانية، ويتم تكسير المركب عند الوصول إلى الشواطئ الأوروبية وإطلاق إشارات الإنذار منهم لإنقاذهم وبعد وصولهم يتم استقبالهم وتصنيف من لهم حق اللجوء الإنساني مثل السوريين وتسليمهم إلى المفوضة السامية لشئون اللاجئين مع المنظمات العاملة، والجزء الثاني من ليس له حق اللجوء يتم تصنيفهم بين أطفال وكبار في السن وشباب من خلال كشف العظام لتحديد أعمارهم، مضيفًا: «طبعًا أي مواطن مصري بيدعي أنه طفل حتي لو عمره 50 عامًا لكي يحصل على المميزات التي تمنحها الدول الأوربية للأطفال، وفي حالة وجود أطفال يتم إنشاء وتجهيز ملفات لهم أما الشباب وكبار السن يتم حجزهم في مقرات احتجاز مخصصة للمهاجرين لحين ترحيلهم».
وأوضح، أن الأطفال بعد حجزهم في مؤسسات رعاية، منهم من يقوم بالالتزام بقواعد المؤسسة ومنهم من يقوم بالهروب للحصول على أموال وإرسالها لوالده في أسرع وقت بسبب تهديده بالسجن من السمسار لسداد باقي تكاليف السفر، ويقع الطفل بين اختيارين هو العمل بطرق شرعية والحصول علي أموال بسيطة أو العمل بطرق غير شرعية مثل تهريب مخدرات والدعارة للحصول على مكاسب كبيرة.
تجارب واقعية
وأضاف محمد عمار، أحد شباب البحيرة، إنه قرر الهجرة إلى خارج مصر 4 مرات لكنه فشل في ذلك، وقرر أن يستقر في مصر وأن يكافح في وطنه حتى يصبح نموذج مشرف يقتدي به الشباب حوله، وبالفعل أصبح الآن من أصغر رجال الأعمال في محافظة البحيرة وممثلي شباب البحيرة في مؤتمرات الرئيس للشباب وقائد في العمل العام والتطوعي ومنسق العديد من المبادرات الشبابية.
وأضاف عمار، أن الهجرة والسفر للخارج ليس هو الحل الوحيد لتحقيق أحلام الشباب؛ فهناك العديد من الطرق الأخري من بينها عدم فقد الأمل والإصرار علي تحقيق أهدافهم والسعي الدائم في كل الطرق للوصول إلى ما يريد، مضيفًا: «نار الوطن ولا جنة الغربة، أنا عشت أصعب أيام حياتي في كل مرة كنت بقرر فيها السفر، وبعد فشل كل المحاولات قررت الاستقرار والوصول إلى ما أريده في وطني وبالعمل والصبر أصبحت الآن علي أول طريق تحقيق حلمي سواء في إنشاء مصنع خاص بي أو العمل في المجال السياسي والعمل التطوعي»، مناشدًا الشباب بعدم الانسياق وراء تيار الهجرة غير الشرعية أو السفر خارج الوطن وأن يبدأ كل شاب بالمحاولة أكثر من مرة في بلده لكي يمكنه الوصول إلى حلمه.