الشعراوي والدكتور غنيم.. أيهما أنفع للناس؟.. "الخطيب": الاستثمار في التعليم هو الأولى.. بهي الدين: الناس ينتفعون بالرعاية الصحية.. و"الشوربجي": "بناء الساجد" أهم من المساجد

العدد 147 من أهل مصر
العدد 147 من أهل مصر

كلاهما يقع في محافظة الدقهلية، تفصل بينهما بضعة كيلو مترات فقط، الأول: ضريح الشيخ محمد متولي الشعراوي الكائن في مدينة ميت غمر، والثاني: مركز الدكتور محمد غنيم لجراحة الكلى والمسالك البولية بمدينة المنصورة، ومن البديهيات المُسلم بها أنه لا توجد مقارنةٌ بين المكانين؛ إلا أن كثيرًا من الناس الذين نشأوا على تقديس الأشخاص، وتقديم الخرافة على العلم، يزعمون أن المزار الأول أفيد وأنفع للناس من الثاني، وهذه المزاعم التي لا ترتكن إلى أي دلالات منطقية أو قياسات عقلية جعلتنا نتساءل: أيهما أنفع للناس؛ مركز الدكتور محمد غنيم لجراحة الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة أم ضريح الشيخ محمد متولي الشعراوي بمدينة ميت غمر؟

ضريح الشيخ الشعراوي

إن الهدف الرئيس من هذا السؤال، ليس عقد مقارنة بين الدكتور غنيم والشيخ الشعراوي، يخرج عقبها واحدًا منهما رابحًا والآخر خاسر؛ بل إننا نرنو إلى التأكيد على شيء بديهي ظاهر الوضوح وهو أن العلم أنفع للناس، وأن الإسلام دينٌ لا يتصادم مع العلم، وأن كل الآيات القرآنية وصحيح السنة النبوية تحث على الإستزادة من العلوم وتشجع عليها وتُعلي من قيمة التخصصات المفيدة للبشر، ولكن هذه الحقيقة البديهية أصبحت عقب سنوات من سيادة الجمود والتقليد وتقديس الأشخاص والآراء تُشبه الضوء الخافت في غياهب الظلمات المتراكمة، وبات البعض مقتنعًا بأن الإسلام والعلم أعداءٌ لا يمكن أن يلتقيان، وأن زيارة الأضرحة - على سبيل المثال - بديل نافع لزيارة الأطباء والمراكز الطبية، ولعل السبب وراء هذا يكمن في أن بعض نصوص التراث وقفت موقفًا مضادًا من العلم، حيث اعتبر بعض الفقهاء أن العلم عدو للدين، واستبدلوا بالتخصصات العلمية مصطلحات أخرى فيما عُرف بـ«أسلمة العلوم».

مركز الدكتور غنيم بالمنصورة

ضريح الشيخ الشعراوي.. ومركز د. محمد غنيم لجراحة الكلى والمسالك البولية

وفي هذا السياق، يطرح الدكتور بهي الدين مرسي، المفكر التنويري الكبير، تساؤلًا محوريًا؛ إذ يقول: أيهما أكثر بريقًا فى نظر الناس؛ هل عملٌ طيبٌ ملموس على الأرض يمد الأحياء بالمنفعة أم جثمان مدفون تحت الأرض يظن البعض أنه يمدهم بالمغفرة - التي لا يملكها أحد إلا الله - ولا يوجد له حصة فى الدنيا إلا بدعوات الأحياء الذين يزورونه؟ متابعًا: «مركز الدكتور غنيم له حصة كبيرة من متطلبات الأحياء، أما قبر الشعراوي فالأحياء هم من يمدونه بدعوة من الممكن أن تنفعه، وفارق كبير بين من ينفع ومن ينتفع».

الدكتور بهي الدين، يضيف: «أتعجب كثيرًا حين أشاهد العقل الجمعي ينفر ولا يُثمن قيمة الصرح الطبي للدكتور غنيم، مثلما يهيمون عشقًا بميت، وهو الشيخ الشعراوي، بالرغم من أنه بشر دفن كما دفن آبائنا، وبالرغم من أنه لا يملك من أمره شيء وقد انقطعت أعماله عن الدنيا، ولن يفيد غيره بعد وفاته».

بهي الدين مرسي، المفكر التنويري

يعقد المفكر التنويري الكبير، مقارنة سريعة بين زيارة مركز الدكتور غنيم، وبين زيارة ضريح الشيخ الشعراوي؛ إذ يقول: «الأحياء حين يذهبون إلى مركز الدكتور غنيم لجراحات الكلى والمسالك البولية، ينتفعون بالعلاج وتوافر الرعاية الصحية، أي أنهم لا ينفعون المركز بشيء بل ينتفعون منه؛ في حين أنهم عند زيارتهم للضريح لا يستفيدون بشيء؛ لأن الشعراوي لم يضيف شيء لنفسه ولا للغرب أو الشمال أو الجنوب؛ بل الزائرين هم من يمنون عليه بدعوى ربما تقبل أو لا تقبل».

الاستثمار في التعليم

أحمد الخطيب، الباحث في شئون الإسلام السياسي، ومدير تحرير صحيفة الوطن، يؤكد أن نفع الناس شيء أساسي في حياة الأمم التي تريد مسايرة التقدم الحضاري، ولذلك فالاستثمار في التعليم وعلاج المرضى ورعاية الأيتام، وغيرها من مشاريع البناء والعمران، هو الأنفع لحياة البشر، والله تعالى يقول: «وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» (الرعد: 17).

أحمد الخطيب الباحث في شئون الإسلام السياسي

يحذر الباحث في شئون الإسلام السياسي، من آفة تقديس الأشخاص، كونها السبب في كل تأخر وبلاء يصيب الشعوب، قائلًا: «لا يوجد أشخاص مقدسون ولا حتى الأنبياء، والسبيل الأنجع لمواجهة الجهل المتفشي في هذا الجانب هو زيادة الوعي، والتأكيد على أن إعمار الأرض والبحث عن كل ما يُفيد الأحياء أنفع من التقديس».

مركز جراحات الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة

الدكتور أحمد الشوربجى، الباحث في الشأن الإسلامي، أوضح أن مركز جراحات الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة منفعة عامة، وأثره - وجميع المشاريع العامة - عظيم على المجتمع كله، وهذا ما أقرته الشريعة الإسلامية أيضًا؛ فقد ورد في الأثر: «من يمشي فى حاجة أخيه خير من الإعتكاف فى المسجد شهرًا كاملًا»، مؤكدًا أن مركز الدكتور غنيم، يقدم خدمات يستفيد منه الناس جميعًا، والسعي على تعظيم الإستفادة من هذا المركز ومن على شاكلته وتطويره وإنشاء غيره أفضل عند الله من الإعتكاف، ولأن من أحيا نفسًا واحدةً فكأنما أحيا الناس جميعا، فالمساهمة فى إفادة الناس نوع من العبادات.

أحمد الشوربجى الباحث في الشأن الإسلامي

الشوربجي، يرى أننا بحاجة إلى ما أطلق عليه بـ«بناء الساجد»؛ فهذه عبادة خير من بناء المساجد نفسها، ونحتاج كذلك إلى المضي قُدمًا في تدشين كل مشروع مفيد ونافع للصالح العام، وهذا يجعلنا نؤكد أن تقديس أي شخص أو ضريح أو حتى فكرةً بعيدةً عما ينفع الإنسان أمرٌ ليس صحيحًا بالمرة.

الدكتور محمد أحمد غنيم.. سيرة ومسيرة

يذكر أن الدكتور محمد أحمد غنيم، هو أحد أبرز وأشهر جراحي الكلى في مصر والعالم أجمع، ويُعد صاحب الفضل الأول في نهضة الطب بجامعة المنصورة، بعد أن نبه العالم إلى كفاءة الطبيب المصري بنجاحه في إجراء أول جراحة نقل كلية في مصر عام 1976 باستخدام أقل الإمكانيات، وبمساعدة فريق من أطباء «قسم 4» المختص بأمراض الكلى والمسالك بجامعة المنصورة الذي كان مشرفًا عليه.

مركز جراحات الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة

ولد الدكتور غنيم، في 17 مارس عام 1939 بمدينة القاهرة، ثم انتقل وهو صغير مع أسرته إلى مدينة المنصورة، وعقب تفوقه في دراسته الثانوية التحق بكلية الطب بجامعة القاهرة وتخرج منها عام 1960، ثم حصل على درجة الدبلوم في تخصص الجراحة عام 1963، ودبلوم المسالك البولية عام 1964، ثم على درجة الماجستير في المسالك البولية من جامعة القاهرة عام 1967.

مركز الدكتور غنيم يعالج مليون و800 ألف مريض

سافر إلى انجلترا للتدريب لمدة عامين ليحصل على درجة الزمالة، ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومنها إلى كندا لمدة عام، وبعد عودته تم تعيينه مدرسا في كلية الطب جامعة المنصورة عام 1975 التي كانت ناشئة جديدة في ذلك الوقت، ومنذ ذلك الحين استقر في المنصورة ليسطر أمجادًا علمية وتحديات طبية وانجازات عديدة تدخله التاريخ كواحد من رواد النهضة العلمية والطبية في مصر.

كانت الفكرة المسيطرة على الدكتور غنيم، في ذلك الوقت هي إنشاء مركز متخصص في جراحات الكلى والمسالك البولية تحت مظلة جامعة المنصورة، وهو ما استطاع تحقيقه بالفعل بعد مشوار طويل من الكفاح، حتى خرج المركز الأشهر والأول فى مصر والشرق الأوسط إلى النور ليعالج أكثر من مليون و800 ألف مريض خلال 26 عاما بالمنصورة.

مركز جراحات الكلى والمسالك البولية بجامعة المنصورة

كان الدكتور غنيم، نموذجًا وقدوة لتلاميذه فى تطبيق القواعد على نفسه، والتفرغ للمركز الذي اعتبره مشروع عمره، كما كان أيضا نموذجا لأهالي محافظة الدقهلية فى العطاء، فرغم أن تخصصه وشهرته كانا يمكناه من جمع ثروة طائلة تقدر بالملايين، إلا أنه تفرغ لمركزه، واعتاد إيداع مقابل الجراحات التي يجريها خارج البلاد في تبرعات المركز، وهى تبرعات بالملايين بحسب مصادر قريبة منه، وظل حتى بعد خروجه على المعاش، متفرغًا لمشروع عمره، مؤكدًا أن الطب عمل إنساني ورسالة بالمقام الأول.

الشيخ الشعراوي.. سيرة ومسيرة

أما الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ فقد ولد في 15 من أبريل عام 1911 م، بقرية دقادوس التابعة لمركز ميت غمر، وتدرج في مراحل التعليم الأزهري حتى تخرج من كلية اللغة العربية عام 1941، وعُين مدرسًا في المعاهد الأزهرية بمدن الزقازيق وطنطا والإسكندرية، ثم أعير للعمل في عدد من الدول العربية أبرزها: الجزائر والسعودية؛ حيث مارس في عام 1950 مهنة التدريس في كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، ومنها إلى جامعة الملك عبد العزيز، قبل أن يعود إلى مصر عام 1961، ليعمل وكيلًا لمعهد طنطا الأزهري، ثم مسئولًا للدعوة ومفتشًا للعلوم العربية بوزارة الأوقاف.

ضريح الشيخ الشعراوي

وفي العام 1966 سافر الشعراوي مرة أخرى مُعارًا إلى الجزائر بعد أن اختير رئيسًا لبعثة التعريب الأزهرية عقب رحيل الاحتلال الفرنسي، ونجح وقتها في وضع مناهج دراسية جديدة باللغة العربية بالمدارس الجزائرية، وانتقل عام 1970 إلى المملكة العربية السعودية، لاستكمال مهمته في التدريس، وأصبح أستاذًا زائرا في كلية الشريعة، وأستاذًا للدراسات العليا بجامعة الملك عبدالعزيز، وفي العام 1976، عينه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وزيرا للأوقاف، واستمر في هذا المنصب عامين.

مواقف وفتاوى مثيرة للشيخ الشعراوي

جمعت الشيخ الشعراوي، وحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، علاقة وطيدة، ولا أدل على هذا من أن الشعراوي هو كاتب أول منشور للجماعة عند تأسيسها عام 1928 م، كما أنه وصف «البنا» بأنه «رجل صادق النية، ولديه رغبة حقيقية في الدعوة إلى طريق الله»، قبل أن يعلن انفصاله عن الجماعة عام 1937 م.

وعلى مدار عمره كان للشعراوي العديد من الفتاوى والمواقف المثيرة للجدل، ويأتي في مقدمتها: سجوده شكرًا لله عقب هزيمة يونيو 1967 م، إضافة إلى حديثه عن الثقة في المرأة، وربطه بين أخلاقها والزي الذي ترتديه، حيث قال: «المرأة يجب أن تكون مستورة حتى لا يشك الرجل في بنوّة أبنائه منها»، إضافة إلى وصفه الرئيس السادات: «لو كان لي من الأمر شيء، لحكمتُ لهذا الرجل الذي رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة»، وتحريمه تقديم العلاج لمريض الفشل الكلوى بزعم أن هذا يؤخر لقاءه بربه.

نقلًا عن العدد الورقي..

WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً