يقول المولى عز وجل في سورة الحج : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. فما هو الإلحاد المقصود في هذه الآية ؟ ولماذا اختص الله سبحانه وتعالى مكة والبيت الحرام بخاصية العقاب على نية الإلحاد ؟ وما معنى الإلحاد في هذه الآية الكريمة ؟ وهل يحاسب المولى عز وجل على النوايا ؟ الإلحاد هو عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى وعدم التصديق في وجود خالق للكون وأن الكون خلق نفسه بما فيه من مخلوقات وموارد تشمل الكواكب والمجرات، والإلحاد هو ظاهرة ظهرت في كل الحضارات وفي كل الفترات التاريخية، ولم يكن مقصورا على فترة تاريخية واحدة أو مجتمع واحد فقط، وهو ظاهرة خطيرة تسبب انهيار النسق الأخلاقية في المجتمعات
ورد ذكر الألحاد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المشرفة في أكثر من موضع وقد تعرض لها المفسرون، ومن ذلك قول الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج:25] وقد اختلف العلماء في معنى الإلحاد هنا في الآية الكريمة فقيل بأنه الشرك وقيل بأنه القتل والشرك معًا والمراد هو الميل بالظلم حيث قيل إن معناه هو قطع شجرة وصيد حمامة ودخول الرجل الحرم بغير إحرام وقال آخرون أنه المقصود بهذا الشرك بالله عز وجل هو عبادة غيره في الحرم. وأقوال المفسرين في معنى الإلحاد بالآية: عن ذكر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: في معنى الآية: هو أن يستحل الرجل من الحرم ما حرّمه الله عز وجل عليه من قتل من لا يجب قتله وظلم من لا يجب ظلمه وقيل أيضًا: بأنه عبارة عن احتكار الطعام بمكة المكرمة.
ولقد قال النيسابوري رحمه الله: أن معنى الآية هو من يرد فيه مرادًا ما جائرا عادلًا عن القصد ظالمًا حيث أن هذه الآية تدل على أن الإنسان يُعاقب على ما ينوي من فعل المعاصي بمكة المكرمة حتى وإن لم يعلمه وقد روى ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا: لو هم رجلٌ بقتل رجلٍ آخر وهو في هذا البيت وهو بعدن أبين (مكان يوجد بأقصى اليمن) لعذبّه الله عز وجل . وقال الإمام الطبري رحمه الله تعالى: معنى الآية السابقة هو أن من يميل وهو في بيت الله الحرام بظلم...حيث أن أهل التأويل اختلفوا في معنى الظلم الذي يُذيقه الله عز وجل العذاب الأليم عندما يُلحد في المسجد الحرام ولقد قال بعضهم أن هذا هو الشرك بالله عز وجل وعبادة غيره به وقال آخرون هو استحلال الحرام فيه أو ركوبه.
ومعنى ذلك أن من يُريد أن يميل بظلم وهو في المسجد الحرام بأن يعصي الله عز وجل فإن الله يُذقه العذاب الموجع له يوم القيامة حيث أن مجيء كلمة الظلم بعد كلمة الإلحاد في الآية الكريمة لتبيين معناها من كونها الميل عن الحق إلى الضلال والباطل ولذلك يكون كل ملحد مائل عن الحق إلى الباطل