تثور الخلافات بين المسلمين حول ماهية المصلحة وعلاقاتها بالمقاصد الكلية في الشريعة الإسلامية، فما هى المصالح التي تسعى الشريعة للحفاظ عليها؟ وما هى ترتيب هذه المقاصد ؟ وهل من الممكن أن يكون حفظ النفس على حساب الدين أم أن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس ؟ حول هذه الأسئلة ذهب جمهور من العلماء للقول بأن المصالح في الشريعة الإسلامية منضبطة ومحدودة من جميع أطرافها ، بما لا يدع مثقال ذرة من مجال للاضطراب أو الغموض في فهمها ، ومرتبة في أنواعها ترتسا لا يترك أي مجال التناقض أو التداخل فيما بينها ، ومتفرعة من أصل راسخ متين مستقر ثابت في قلب كل مؤمن صادق ، ألا وهو العبودية لله عز وجل ، أصل يتأسس على مبدأ من قوله عز وجل : قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، والمصلحة فيما اصطلح عليه علماء الشريعة الإسلامية يمكن أن تعرف هى المنفعة التي قصدها الشارع الحكيم لعباده ، بن حفظ دينهم ، ونفوسهم ، وعقولهم ، ونسلهم ، وأموالهم ، طبق ترتيب معين فيما بينها والمنفعة هي اللذة أو ما كان وسيلة اليها ، ودفع الألم أو ما كان وسيلة إليه . وبتعبير آخر هي - كما قال الرازي - اللذة تحصيلا، أو ابقاء فالمراد بالتحصيل جلب اللذة مباشرة ، والمراد بالإبقاء الحفاظ عليها بدفع المضرة وأسبابها
وذهب جمهور العلماء إلى أن الشريعة الإسلامية قد وضعت الأسس العامة لهذه المصالح في بيان لا يلحقه أي نسخ أو تبديل ، وأجملته في خمسة مقاصد هي : حفظ الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ، طبق هذا الترتيب فيما بينها . فأولها الدين ، وثانيها النفس ، وثالثها العقل ، ورابعها النسل ، وخامسها المال، وبناء على هذا الترتيب فقد قضت الشريعة بوجوب إحراز كل مرتبة من هذه المراتب الخمسة ، حتى وإن قضت الضرورة بالتضحية بجزء مما دونها . فيجب المحافظة على الدين و تقویم شرعته حتى وان استلزم ذلك فوات ما دونها وهو مصلحة المحافظة على النفس ، ومن أجل ذلك شرع الجهاد . ويجب المحافظة على النفس حتى وإن اقتضى ذلك إهمال ما دونها وهو المحافظة على العقل ، ولذا كان من حق الإنسان أن يفدي حياته بالخمر إذا أكره عليها بواسطة القتل . ويجب المحافظة على ضوابط النسل، حتى وان استلزم ذلك تفويت مزيد من المال . وتنقسم المصالح وفقا للفقه الإسلامي إلى الضروريات أو الكليات، وهى المنصوص عليها في كل الأديان وتشمل الدين والنفس والعقل والنسل والعرض، وإلى الحاجيات وهى المصالح التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية، وتشمل ذلك العبادات والعادات والمعاملات والعقوبات، بالإضافة إلى التحسينات، وهى المصالح التي تقتضيها المرؤة ولا تقف الحياة بدونها ولكن يقتضيها سلوك الناس، مثل أداب الأكل والشرب.