يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في سورة الحجر: ( قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين )، وجاء قول إبليس بعد أن عصى الله ورفض السجود لآدم، فأنذره الله إلى يوم يبعثون بعد أن أخذ إبليس على نفسه مهمة إغواء آدم وذريته إلى يوم الدين أو يوم القيامة، ولكن في قول إبليس (لأزينن لهم في الأرض ) ما يلفت لمعنى ودلالة هذه الكلمة، فهل كان إبليس يعرف أن آدم وحواء سوف يهبطان
وكيف عرف إبليس أن هناك الله سوف ينزل آدم وحواء إلى الأرض من بين كل الكواكب والمجرات التي خلقها المولى عز وجل في هذا الكوكب ؟ وهل خاطب إبليس الله سبحانه وتعالى بما يعرف من غيب ؟ الملاحظ أن كل التفاسير التي تعرضت لهذه الآية لم تتطرأ لما قصده إبليس بكلمة ( الأرض ) في حديثه للمولى عز وجل ، فقط جاء في تفسير السعدي حول هذه الآية { قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ } أي: أزين لهم الدنيا وأدعوهم إلى إيثارها على الأخرى، حتى يكونوا منقادين لكل معصية، فهل كانت الجنة التي عاش فيها آدم وحواء في الأرض ولم تكن في السماء، وهل معنى قول الله تعالى : ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) هو الهبوط بمعنى هبوط المنزلة وليس هبوط المسافة ؟
جاء في تفسير القرطبي لقول الله تعالى : ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) جميعا بمعنى أن الخطاب موجه لآدم وإبليس، ولكن في آية يفهم من سياقها أنها سابقة على هذا الموقف يقول المولى عز وجل لأبليس بعد أن رفض السجود لآدم ( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ )، جاء في تفسير السعدي حول مكان خروج إبليس والموضع الذي طرد منه { فَاخْرُجْ مِنْهَا } أي: من السماء والمحل الكريم، أما البغوي فقد ذهب لتفسير آحر وقال ( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ )، وقال البغوي عن الحسن وأبو العالية : أي من الخلقة التي أنت فيها . قال الحسين بن الفضل : هذا تأويل صحيح لأن إبليس تجبر وافتخر بالخلقة ، فغير الله خلقته ، فاسود وقبح بعد حسنه ، لكن مع ذلك فإن إبليس لازم آدم وحواء في الجنة فهل كانت الجنة التي لازم فيها إبليس آدم وحواء في الأرض ؟ وهل يقينا أن إبليس طرد من السماء أم بقى فيها بعد أن لعنه الله ؟ وهل أبليس أخبر المولى عز وجل عن أنه سوف يزين لآدم وذريته في الأرض كان يخبر عن شئ واقع وأنه هو نفسه مع آدم وحواء على جنة في الأرض وأن الهبوط الذي عوقب به آدم وحواء كان هبوط منزلة وليس هبوط مكان ؟ أم أن إبليس كان يخبر الله عز وجل عن أمر سوف يحدث في الغيب وهو ما لا يستقيم قولا إلا إذا كانت جنة آدم وحواء في السماء وليست في الأرض ؟