من الأحاديث الشريفة التي يتداولها كثير من المسلمين ورواة الحديث والدعاة الحديث المروي في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: صنفان لم أرهما رجال بأيديهم سياط يضربون بها الناس -يعني: ظلمًا- ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن مثل أسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وقد ورد هذا الحديث في صحيح مسلم (2128) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا، وفي شرح الحديث : نساء كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة، إما؛ لأنها ثياب رقيقة أو قصيرة، اسم كسوة بلا حقيقة، مائلات عن الرشد وعن العفاف وعن الطاعة إلى الفواحش والزنا، مميلات لغيرهن. رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، البخت المائلة إبل لها سنامان، فهي ... رأسها وتجعل عليه أشياء تعظمه حتى يكون كالسنم للناقة، وهذا الحديث استخدمه الدعاة باستمرار لترهيب النساء ودفعهن لارتداء ملابس تتكفل بإخفائهن إخفاء كامل وكأن الله سبحانه وتعالى قد خلق النساء بالخطأ ويجب إخفائهن بشكل كامل سواء ومنعهن من الظهور أمام الرجال بأى شكل من الأشكال وإلا ينطبق عليهن وصف الكاسيات العاريات. فما هي أشكال الملابس التي يمكن أن ترتديها المرأة وفقا لهذا الحديث ؟ وهل هناك ملابس يمكن أن ترتديها النساء يحددها هذا الحديث ؟ وما المقصود بكاسيات عاريات ؟ هل ارتداء المرأة للملابس العصرية في مثل هذا الوقت يجعلها كاسية عارية؟ ولكن هل قال النبى صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ؟
هل كانت مكة مجتمعا مغلقا أو مثاليا لا تتبرج فيه النساء ؟
هذا الحديث مرتبط بحادثة الإسراء والمعراج، وفي هذه الفترة من الدعوة النبوية الشريفة لم يكن متصور أن النبى صلى الله عليه وسلم يخيف قطاع كبير من حقل دعوته وهو النساء بقضية ملابس النساء وطبيعتها خاصة وأن مكة المكرمة التي كان يعيش فيها النبى صلى الله عليه وسلم كان تضج بكل أنواع الملابس التي ميزت النساء حرائر وإماء، فكان من الحرائر من يرتدين نقاب كامل، وكان من الحرائر أيضا من يسرن في الأسواق عاريات الصدور، أما الإماء فحدث ولا حرج لم يكن لهن شرف ولا كرامة وكن يعرضن عاريات كسلع متداولة ويدفعن لصاحبات الرايات الحمر لممارسة الدعارة، فلم يكن مجتمع مكة المكرمة وقت نزول الدعوة المجتمع الذي يشغل نفسه بقضية ملابس المرأة التي تشف عن جسدها أو تظهره لأن النساء في مجتمع مكة كان متبرجات بل وعاريات ومستباحات الجسد والشرف بالنسبة للجواري. فهل يصح عقلا أن يتناول النبى صلى الله عليه وسلم مثل هذه القضية الشائكة في مثل هذا التوقيت من الدعوة الإسلامية المبكرة.
لماذا لم يورد البخاري حديث الكاسيات العاريات في صحيحه ؟
والملاحظ على هذا الحديث أنه قد ورد في صحيح مسلم تحت رقم (2128) وراه مسلم عن أبي هريرة موقوفا أى أن ابو هريرة لم يقل في رواية الحديث "سمعت رسول الله" أو "قال رسول الله"، كما ورد هذا الحديث في مسند أحمد بن حنبل للبيهقي بعديد من الروايات المختلفة. فأي هذه الروايات هي "الحقيقة" فعلى سبيل المثال لا الحصر ورد نفس معنى الحديث عن الرسول بهذه الرواية: "عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المسجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهم كأسنمة البخت العجاف العنوهن فإنهن ملعونات". وهذا الحديث ضعيف عند أكثر الحديث مثل الذهبي وأبو داود والنسائي.ولكن لم يرد لهذا الحديث أى ذكر في صحيح البخاري مع أن البخاري قد أورد واقعة الإسراء والمعراج ؟ فهل نسيه البخاري أم نسيه الرواة الذين أخذ عنهم البخاري أحاديث المعراج من روايتهم؟ ، ووفقا لكل ما كتب حول سند هذا الحديث فإن حديث "الكاسيات العاريات" هو حديث في أفضل رواياته "موقوف" وهو الذي تقف روايته عند الصحابي فقط، فلم يرفعه إلى الرسول عليه السلام أي أنه لم يقل: "سمعت رسول الله" أو "قال رسول الله" فيرفعه بذلك إليه (وذلك على خلاف ما يسمى بالحديث "المرفوع" وهو الذي يقول الصحابي فيه: "سمعت رسول الله" أو "قال رسول الله" فيرفعه إليه).