فى البداية، دعونى أبدى إعجابًا شديدًا بدور فعال تقوم به السوشيال ميديا، التجارب أثبتت أنه لا مناص من التطور التكنولوجي ومسايرة الزمن، لم نعد كما كنا نعيش فى جزر منعزلة، أصبحت السوشيال ميديا ملاذ المستضعفين، وصوت الضعفاء، وعين المسؤول الذي يريد أن يتخذ قرارا.
هنا فى هذا الزمن، فى لحظة "تريند" يقلب حياتك رأسا على عقب، ومنشور يراه البعض قد يتسبب لك فى ضربة حظ لم تكن تحلم بها، لكنه رغم ذلك لا ينكر مساوئها إلا جاحد أو إنسان يرى العالم بعين واحدة وهذه كارثة.
فى غضون ما يقرب من أسبوعين، ساهمت السوشيال ميديا فى إبراز قيم مجتمعية راقية، نماذج ملهمة، من طين هذه الأرض الطيبة، الذين لا ينتظرون جزاء ولا شكورا، يكافحون فى صمت، فكان نصيبهم مع صورة غيرت مسار حياتهم، وأتمنى أن يستمر التغيير للأفضل، فللسوشيال ميديا بريق كذاب فى أحيان كثيرة قد يؤدى بصاحبه إلى الهلاك.
الدكتور إبراهيم، أو كما أطلقت عليه منصات التواصل الاجتماعى «بائع الفريسكا»، كان هو البداية بعد نتيجة الثانوية العامة، ملايين مثل إبراهيم اجتازوا الثانوية العامة بمجموع عال، لكن القدر هو من سخر لإبراهيم السوشيال ميديا لترفعه إلى مكانة عالية يستحقها، لتتعاقب عليه التكريمات تترى، رغم أن هناك الآلاف مثل إبراهيم، فى النهاية لا أخفى سعادتى بهذا اللفتة الطيبة التى جعلتنا نفكر مرارا وتكرارا فى دور السوشيال ميديا وأهميته فى ظل عالم يتنامى كل يوم ويتطور تكنولوجيا كل ساعة، ما جعلنى أردد دائما أن التصوير نعمة حبانا الله بها، دون أن نتكبد الذهاب إلى مسؤول أو الاتصال بالتليفون، تخيلوا معى كم من مرة استجابت مؤسسات الدولة لمنشور على "فيس بوك" أو تدوينة على "تويتر"، صوت السوشيال أعلى من أي إنسان، أصبح مسموعا، لم نعد نؤذن فى مالطا، الكلام أصبح على عينك يا تاجر، إما الاستجابة لمطالب السوشيال أو الفضيحة على رؤوس الأشهاد، لكن هذا لا يعنى أن تفرض السوشيال ميديا قوتها فى صناعة قرار خاطئ، وإن كان ذلك يحدث أحيانا للأسف.
بعد انتشار قصة «بائع الفريسكا»، عجت مواقع التواصل الاجتماعى، بقصص أسطورية لأبطال الثانوية، فراحت الدولة تبحث عنهم وتكرمهم، وهم رجال الأعمال للتسويق لأنفسهم بإهدائهم مبالغ مالية، وأهدتهم بعض الجامعات الخاصة بعض المنح المجانية، هؤلاء أولاد مصر، شباب مصر النابض بالحيوية وبقصص النجاح الأسطورية، ينتشرون فى كل الربوع، يجتهدون في صمت، يبحثون عن القمة ولا يرضون بغير ذلك بديلا، يأتون من القاع ليصبحوا أيقونة تتحاكى بها الأجيال، ذاكروا واجتهدوا، كانوا قديما لا نسمع شيئا عنهم، لكن الآن "السوشيال ميديا" عرفتنا عليهم لنفخر بهم.
كلامى أعلاه عن الناجحين وما أكثرهم، لكن السوشيال ميديا ساهمت أيضا الأيام الماضية، فى إبراز صورة كما أسميها "جدعنة المصريين"، عندما تصدرت سيدة القطار تريندات مواقع التواصل الاجتماعى، بعد فعلها المحمود ودفعها ثمن التذكرة للمجند الذى تعرض لسباب من قبل كمسرى القطر ورئيسه، لكنهما لم يعلما أن هناك كاميرا ترصد فعلهما المشين، ترصد وتحلل وتنشر لتنقلب مصر فى لحظات رأسا على عقب بحثا عن السيدة التى أظهرت عظمة الست المصرية فصارت حديث وسائل التواصل الاجتماعى، فأتت لها التكريمات من كل حدب وصوب على ما فعلته من موقف تقاعس عنه رجال كثر.
أقول قولى هذا وأريد إبراز قيمة السوشيال ميديا فى كيفية صناعة التريند، وأريد أيضا أن أبين ما يفكر فيه ضعاف النفوس لتحويل "التريند" إلى نكتة وأحيانا التشكيك فيه، هؤلاء الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة، ويعيشون حياتهم على أوهام، يستكثرون تعاطفا مع مجند غلبان، أو ناجح طموح، يحللون بخبث ما يدور فى المجتمع، يرون أن هذه التريندات صناعة وهمية تخفى وراءها أحداثا تريد السلطة إخفائها عن الشعب.
حتى أكون صريحا معكم، أنا لا أومن بنظرية المؤامرة، الجميع أصبح واعيا، لكن محاولة تفنيد ما يحدث بالتفكير بطرق شيطانية، والتغافل عن الفعل وصاحب الفعل هو أمر غير محمود، دعونا نكون أكثر رحابة فى التفكير من ذلك.
إلى هؤلاء: اشكروا الناس ولا تكونوا سببا فى إطفاء فرحة أحد، وكونوا متأكدين تماما أن سياسة الإلهاء لم تعد تجدى فلا تعيشوا فى أوهام وأساطير تصنعوها لأنفسكم.. بلاش تكذبوا الكذبة وتصدقوها.