للأسف الشديد نواجه في مصر خلال السنوات الأخيرة أكبر وأعنف موجة تصنيف سلبي شهدتها المحروسة، لا ترتكز سوى على مبدأ واحد فقط، أو بتعبير أدق "خرافة" يعتبرها البعض "مبدأ" لا يحيد عنه حتى يُصبح معتقده هذا الأداة الوحيدة التي يقيّم من خلالها الأخر، ويمكن تلخيص تلك الخرافة أو المبدأ أو الأداة في جملة واحدة "إذا كنت لست معي "في الرأي" فأنت عدو وخائن وعميل".
أصحاب هذه الرؤية الضيقة أو بالأحرى بعضهم، يستخدمها للهروب من أي حوار عقلاني علمي يرتكز على حقائق ومعلومات، ويطلق رصاصات التصنيف والتخوين ليقتل بها كل من خالفه الرأي، المبني في الأصل على توجهات أو عواطف أو مشاعر حب أو كره لمسئول أو شخص أو حزب أو فصيل، دون النظر لأية حقائق أو معلومات أو وقائع مهما كانت واضحة وضوح الشمس.
هذه الرؤية المقيتة التي لا يعرف أصحابها شيئًا عن ثقافة الاختلاف، تنتشر في مصر ليس بين مؤيدي السلطة فقط كما يعتقد البعض، وانما بين معارضيها أيضا، أي أنك ستجد نفسك بين تصنيفين متناقضين حسب الموقف والرأي الذي تتبناه وتتحدث عنه، فيصفك هؤلاء عندما تعارض أو تنتقد قرارا ما للسلطة بالخائن والعميل والإخواني والإبريلي والماركسي، ويصفك معارضو السلطة في حال رصدت قرارا إيجابيا أو إنجازا ما من وجهة نظرك بالمنافق المتملق و"الطبال" وغيرها من الصفات الموسيقية.
وهنا يجب ألا نقع في التعميم فهناك بالفعل متربص كاره لكل شيئ في جانب، وهناك منافق متملق يحاول التقرب للسلطة بأي شكل من الأشكال وهؤلاء لا نقصدهم في هذا المقال لأن كليهما لا يستحق عناء النصح أو يُنتظر منه حسن الاستماع، فمن تقوده مصالحه الشخصية لن تلمس كلمات كالوطن والوطنية قلبه ولا عقله أو مشاعره فهو بلا قلب وبلا عقل وبلا مشاعر، وهنا وبين السطرين الماضيين اختبار بسيط تستطيع من خلاله ببساطة تصنيف شخصك الكريم، فإن شعرت بأنك تريد أن تسخر من تلك الكلمات أو حتى ابتسمت ابتسامة ساخرة فأنت منهم وأرجوا أن لا تكمل قراءة هذا المقال.
دعونا الأن نعود لعنوان المقال "متى أصفق للرئيس؟" هذا العنوان وحده كان كفيلا لدعاة التصنيف حسب توجهاتهم ببداية سن أسنانهم للتقطيع في الكاتب، وأنا قررت أن لا أحرم الطرفين من هذه الوليمة التصنيفية في السطور القادمة.
نعم اليوم شعرت برغبة كبيرة في التصفيق لرئيس الجمهورية وهو يتحرك في ذات التوجه الذي طالما طالب الكثيرون منا به، لماذا لا أصفق وأنا أرى اهتمام رأس الدولة بالقضية الأولى التي تنهض بها الأمم وترتقي بها الشعوب، لماذا لا أصفق وأنا أرى لأول مرة مشروع متكامل للنهوض بالتعليم في مصر، لماذا لا أصفق وأحد أمرين طالبت بهما مرارا يتحقق، فقد طالبت مرارا بالتوجه نحو تطوير التعليم والانخراط في التصنيع.
ويجب أن يعلم الجميع أن دعم رئيس الجمهورية في توجهه نحو تطوير التعليم كقضية أولى لهذا الوطن واجب وطني بل منتهى الوطنية، وليعلم الجميع أيضا أن معارضة بعض قرارات الرئيس ونقدها نقدًا موضوعيا لهو واجب وطني أسمى وأعلى وأنه الوطنية نفسها وليس منتهاها، فالجميع يعلم أن الكل يجيد الدعم والتصفيق ولكن قليلون هم من يمتلكون شجاعة النقد والمصارحة، لذلك لا أجد حرجا الآن وأنا أدعم الرئيس اليوم في ملف التعليم، حتى إن كنت ضده أمس في ملف الاقتصاد والحريات، وغدا ساستمر داعما لأي مسار يخدم الوطن ومعارضًا لأي قرار يذبح مواطنيه، وليذهب أصحاب التصنيفات إلى الجحيم.